يصادف اليوم السبت ٢٩رمضان وربما يكون اخر يوم في شهر الصيام ، وبهذه المناسبة اعترف بأنني لا اعرف ما هي أولويات اللبنانيين هذه الايام، أو بماذا هم مهتمون، ولا اعرف ايضا إذا كان اللبنانيون ممتلئين بذاتهم هذه الايام ام انهم يعيشون حالاً من الخواء الوطني والسياسي، بسبب عدم اهتمام الخارج الإقليمي والدولي بلبنان، إذ يبدو ذلك واضحا من خلال تعظيمهم لأمور بديهية وتجاهلهم لتطورات عِظام في سوريا والعراق والخليج وأوروبا واميركا وبريطانيا وروسيا، اذ يشهد العالم تطورات غير مسبوقة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية.
نتجاهل ايضا حالة الخواء التي نعيشها وندعي اننا نفهم اكثر من غيرنا بتطورات الميدان السوري، الذي اصبح اكثر غموضا وخطورة من اي وقت مضى ، على السوريين وعلى أطراف النزاع من الصغار والكبار والجوار، لان سوريا أصبحت ساحة صراعات بديلة كما كان لبنان على مدى ما يقارب ثلاثة عقود من الزمان، والسؤال في سوريا اليوم هو: ماذا بعد النزاع؟ وكذلك الامر في العراق، ماذا بعد الموصل واستفتاء الأكراد ؟
قرأنا الكثير عن التطورات الخليجية المفاجئة والمتوقعة في آن، وتعاملنا معها كل على هواه باستثناء امر واحد اتفقنا عليه جميعا هو عدم قدرتنا على تحديد موقع لبنان من تلك التطورات، وأين هي مصلحة لبنان؟ وما هي ارتدادات تلك التطورات على اللبنانيين العاملين في الخليج مع تجاهل ترحيل اسباب الأزمة الى لبنان؟ وبكل ثقة نستطيع القول بأن الضياع والادعاء هو ما يسيطر على الوعي السياسي العام في لبنان .
عقب التصديق على قانون الانتخابات في مجلس النواب، شعر معظم السياسيين بانهم خسروا ورقة التين التي كانت تخفي عوراتهم السياسية، والتي تستروا فيها خلال مناقشة عشرات القوانين والتبصيرات وتغريدات الخواء السياسي، وبعد التصديق بدأ الحديث عن التعديلات وسارع المؤيدون الى تسجيل الاعتراضات، وتعالت الانتقادات وادعاء الحرص على هذه الطائفة وتلك، لانهم كانوا يعتقدون بانّ ما يجري هو ملهاة، وان القديم سيبقى على قدمه وانه لا قانون ولا انتخابات.
الجنون هو تكرار المحاولة مع توقع نتائج مختلفة، مع الاعتقاد بان الربح مع الغلط هو نجاح، وانّ الخسارة مع الصح هي فشل وغباء،لأن ما يجري في لبنان الآن كنا قد شاهدناه سابقا مرات ومرات، وكنا في كل مرة نقع في الفشل عينه بسبب إعادة انتاج الطائفية والمذهبية كخشبة خلاص للبنان، متجاهلين كل المآسي التي تسببت فيها للأشخاص عينهم الذين يكررون الآن المحاولة عينها، متناسين آثارها عليهم وعلى عموم اللبنانيين بدون استثناء.
لا اعرف الى متى سيبقى لبنان خارج الاهتمام العربي والاقليمي والدولي؟ والى متى سيبقى اللبنانيون يعانون من الخواء وضيق الحال السياسي؟ الذي بدأ يظهر مدى هشاشتهم، ولم يبق لديهم من السياسة سوى المخاصمة والمناكفة كالأطفال، بعد أن نصّبوا أنفسهم قضاة ويكيلون الاتهامات، على اعتبار ان الفاضي بيعمل قاضي، وان الاحسن هذه الايام هو الأقل سوءاً من الآخر، وعلى هذا الأساس تتم المفاضلات بين سياسي وآخر أو جماعة وأخرى ، وربما نشهد بعض مظاهر الانتحار السياسي اذا طال التجاهل الخارجي للبنان، لأنّنا لا نعرف كيف ننتج سياسة غير طائفية بعد أن عاقبنا كلّ من حاول انتاج سياسة وطنيه بالإلغاء او الاغتيال، لانّ الحفاظ على تراثنا بالفشل يجعل النجاح ممنوع في لبنان.