IMLebanon

السيناريو المفاجئ: تسوية خلال شهرين؟

الجميع ينتظر «قمَّة معراب» بين العماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع. إنها فصل آخر مثير في الملف الرئاسي. ولذلك، يستعدّ لها الرجلان بكثير من التأنّي والحسابات الدقيقة. ولكن، هل ينطبق «حساب الحقل» في الرابية على «حساب البيدر» في معراب؟

في الأيام الأخيرة، يجري التداول في أوساط مرجعيتين لبنانيتين بارزتين بتسوية قيد الولادة في الشهرين المقبلين، أيْ قبل بداية الربيع، على رغم الأزمة التي تعصف بالوضع الإقليمي.

وتقول هذه الأوساط: «ليس محتَّماً أنّ التصعيد السعودي – الإيراني وتداعياته اللبنانية سيمنع التسوية في لبنان، بل ربما يسرِّعها. وسبق للبنان أن بقي بلا رئيس للجمهورية أكثر من عام ونصف عام، بعد انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل في العام 1988.

وخلالها، نشبت حروبٌ مدمِّرة. ولكنّ النتيجة كانت انعقاد مؤتمر الطائف ومجيء رئيس جديد هو الرئيس الشهيد رينيه معوض. واليوم، ربما تولد التسوية من رحم الأزمة.

فالقوى الدولية الراعية للاستقرار في لبنان، كالولايات المتحدة والأوروبيين، تعتقد أنّ بقاء لبنان بلا رئيس للجمهورية، في ظلّ الشلل والاهتراء السياسي والإداري ونموّ البؤر التي تنذر بانفجار مذهبي أو اجتماعي، من شأنه جعل لبنان برميل بارود قابلاً للتفجير في أيّ لحظة.

ولذلك، المطلوب إعادة بناء السلطة في لبنان، إنطلاقاً من موقع رئاسة الجمهورية. ولأنّ هذا الموقع يرتدي طابعاً مسيحياً، فإنّ ملء الفراغ فيه يخفّف من وطأة الاحتقان المذهبي السنّي – الشيعي.

إذاً، يُتوقع مزيد من الضغط الدولي في اتجاه تسوية معيّنة ربما تنضج، وفق سيناريو معيّن، سواء ذهبت العلاقات السعودية – الإيرانية إلى التصعيد أو التهدئة. وإذا صدقت المعلومات المتواترة عن التسوية المفاجئة، فإنّ الطاولة السياسية ستشهد خلطاً عنيفاً للأوراق.

وفي أوّل الغيث، سيقفز عون إلى معراب، بعد حصوله من جعجع على ضمان بأنه سيتبنّى ترشيحه للرئاسة، جدّياً لا مناورة. فالرجلان سيكونان أمام خيارٍ إجباري لم يتوقع أحدٌ حصوله في يوم من الأيام.

وتقول الأوساط نفسها: رئيس مجلس النواب نبيه بري يمهِّد السبيل لمرحلة انتقالية آمنة، بواسطة الحوار الوطني والثنائي وتفعيل الحكومة والمجلس النيابي في الحدّ الأدنى. وسيكون ذلك انتظاراً لـ«كلمة السرّ» الدولية الإقليمية. وعندما تدرك الرابية ومعراب جدّية الحراك الرئاسي، سيسارع جعجع إلى الخطوة المثيرة للجدل، أيْ تبنّي ترشيح خصمه المسيحي. فهذا هو السبيل الوحيد لكي يفرض الرجلان موقعهما في التسوية.

وإذا كان المفتاح الإقليمي للتسوية في يد إيران، فالمفتاح الداخلي في يد جعجع. فطهران قادرة على تمرير الصفقة الرئاسية إذا حصلت على الثمن الذي تريد. وجعجع قادر على تغيير قواعد اللعبة بمجرد إعلانه دعم عون.

ولذلك، ينتظر عون أن يتلقّى عبارة «نعم» من جعجع، لينتقل إلى عقد «قمة ثنائية مسيحية» في معراب، تنتهي بتتويج نفسه «المرشح المسيحي»، وفي عبارة أكثر دقّة، مرشح الأكثرية المسيحية، إذا كان «التيار الوطني الحر» و«القوات اللبنانية» يجمعان معاً غالبية التمثيل المسيحي.

ويبرِّر المطلعون على موقف جعجع إمكان إعلانه ترشيح عون بأنه سيكون «ضربة معلِّم» ينفِّذها، وستكون فيها الأرباح مضمونة. ففي الدرجة الأولى، إنّ الرئيس سعد الحريري حسم هوية رئيس الجمهورية باكراً، وقرَّر أن يكون بين خيارين من داخل «8 آذار»، لكي يضمن لنفسه الاحتفاظ برئاسة الحكومة. ولم يبقَ لأحد إلّا الاختيار من داخل «8 آذار».

وما زال القريبون من الحريري يؤكدون أنّ مبادرته قائمة. ولذلك، يجد جعجع أنّ هناك مبرراً للذهاب إلى التنسيق مع عون. وأساساً لم يُخبر الحريري حليفه المسيحي مسبقاً بلقاء باريس.

وفي تقدير جعجع، أنه لن يخسر شيئاً إذا غامر بإعلان تبنّيه ترشيح عون. ففي الحدّ الأدنى سيؤدي ذلك إلى خلط أوراق يخربط اللعبة كلها، فتتعطّل الانتخابات أو يتمّ اختيار اسم توافقي يقتنع به الجميع، وفي الحدّ الأقصى سيقود الأمر إلى انتخاب عون.

ويعمل جعجع في الأيام الأخيرة على وضع القواعد «القواتية» في صورة القرار- الصدمة، لتكون متفهِّمة له. وهو يشرح لها ما يمكن أن تجنيه «القوات» في هذا المجال، ويمكن حصره بالآتي:

1 – ستقترب القاعدة العونية من جعجع كثيراً، نتيجة هذا الموقف، وتتراجع درجة العداء بين الطرفين، سواء نجح عون في بلوغ قصر بعبدا أو لم ينجح. وسيكون هذا كسباً سياسياً كبيراً لجعجع في الوقت السياسي الضائع.

2 – سيتمّ توافق بين الرجلين على دور مميَّز لجعجع في عهد عون، كثمن لتبنّي الترشيح.

3 – لم يكن عون دائماً في علاقة جيدة مع دمشق الأسد. ولذلك، يمكن أن يكون أكثر تحرراً منها إذا وصل إلى بعبدا. كما أنّ عون هو ابن الدولة اللبنانية والجيش، وهو يمتاز عن الآخرين في «8 آذار» بهذه الصفة.

4 – سيصبّ دعم ترشيح عون في مصلحة الحوار «العوني»- «القواتي»، فيما اختيار مرشح آخر سيعيد العلاقات بين الطرفين إلى ما قبل «ورقة النيات».

5 – سيؤدي إعلان جعجع عن دعم عون إلى توجيه رسالة مهمّة إلى الحريري مفادها أنّ هناك هوامش للخربطة لا تقبل «القوات» تجاوزها بين الحلفاء داخل «14 آذار».

6 – إنّ وصول عون إلى بعبدا سيفتح الطريق لجعجع لكي يكون التالي. فتكريس الرجل المسيحي الأقوى في الرئاسة سيصبح تقليداً. وبعد عون، سيكون جعجع هو الأقوى.

إذاً، مسار الرحلة العونية من الرابية إلى معراب بات مقرَّراً، ويتفاءل بعض المعنيين بحصولها خلال الأسبوع الجاري. لكنّ عون سينشغل هذا الأسبوع بمجريات انعقاد مجلس الوزراء بعد انقطاع طويل. وهو لن يستعجل القفز إلى معراب إلاّ إذا شعر هو و«حليفه اللدود» جعجع بالخطر، أيْ بأنّ التسوية الرئاسية عائدة وبقوة!

حتى هذه الساعة، سيتأنّى جعجع في قول الـ«نعم» الموعودة. وفي أيّ حال، سيقولها شكلاً لا مضموناً، لأنها لن توصل عملياً إلى انتخاب عون، وهي تنطلق من روحية العبارة الشهيرة التي أطلقها في بعبدا ذات يوم: «بيمون الجنرال». فعندما يعود عون وجعجع 27 عاماً إلى الوراء، تُرى أيّ ذكرى سيختاران؟