تتحكم الإعتبارات الاقتصادية أولاً وقبل كل شيء بقرار إدارة الرئيس باراك أوباما الشروع في اقامة علاقات طبيعية بين الولايات المتحدة وكوبا. خسراناً بخسران كان الاستثمار في الشعارات الأيديولوجية والمواقف السياسية منذ الثورة التي قادها فيديل كاسترو الى الانتصار عام ١٩٥٩.
قبل أن يكتشف الثوار نِعَم الاشتراكية وما تنشره عقيدتها من عدالة اجتماعية في أرض السكر والسيكار، كان المستثمرون الأميركيون يرفلون في كوبا، وكان التجار الكوبيون أصحاب مؤسسات مزدهرة في الولايات المتحدة. المصلحة المشتركة كانت أساس العلاقات بين البلدين. عقب نهاية الاستعمارين البريطاني فالإسباني، فكّر المشرعون الأميركيون في ضم الجزيرة الكاريبية الى “الأرض الأم”. عصي الوهم على صانعي “الحلم الأميركي حتى في زمن الديكتاتور فولجنسيو باتيستا.
اعتقد فيديل كاسترو وشقيقه راوول وارنستو تشي غيفارا وفرانك باييس وغيرهم من القادة والرفاق أن الثورة الدائمة هي الرد الوحيد على النهم اللامتناهي لحيتان المال وغيلان الثروة في المعسكر الرأسمالي. دحروا عملاء وكالة الاستخبارات المركزية في معركة خليج الخنازير عام ١٩٦٠. أوصلوا الوضع الى شفير حرب عالمية في أزمة الصواريخ عام ١٩٦٢. باعوا أجود ما لديهم بأبخس الأثمان ليرفعوا شعاراً مثيراً: “نحن نكرهكم، أيها الإمبرياليون!”. بعد ٥٥ سنة من بدء حقبة استحكام العداء، شاخ الثوار – أو ماتوا – وبالت الرايات. الأميركيون فرضوا حصاراً مالياً واقتصادياً وتجارياً عطل كل التعاملات بين الولايات المتحدة وكوبا. سنوا قوانين تمنع الأميركيين من زيارة الجزيرة. لم تؤت القرارات المتعاقبة للجمعية العمومية للأمم المتحدة منذ عام ١٩٩٢ أكلها. الحصار الأميركي مخالف لميثاق المنظمة الدولية والقانون الدولي. تظهر نتائج التصويت السنوي أن الأميركيين يسبحون عكس التيار. يصمون آذانهم عن الدعوات الى تغيير الوضع الجائر. يا للمفارقة. على رغم الحصار الأميركي، تحوّل السيكار الكوبي رمزاً للثراء والأثرياء في أنحاء العالم وبقيت كوبا رمزاً للفقر والفقراء.
إذ يلتفت البعض قليلاً الى الماضيين القريب والبعيد، يرى لكوبا شريطاً من صور لا تمّحي. وقفات كاسترو وغيفارا أمام الأمم المتحدة. دور السكر في حروب العصابات في الكونغو وأنغولا فضلاً عن أميركا الجنوبية واللاتينية. يشاع أن بعض اليسار اللبناني احتكر تجارة السيكار الكوبي في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لتمويل حركات التحرر العربية. يا للنتائج.
الذين يزورون كوبا الآن يرون الزمن توقف فيها منذ عقود. يقولون إن الناس هناك طيبون يعيشون حياة متواضعة. يتعلقون علناً بالسياح ويتطلعون سراً الى الدولار. لولا خفر السواحل، لسبح كثيرون الى شواطىء فلوريدا.
الأميركيون ينتظرون اللحظة التي تتعدل فيها قوانين بلادهم لاستعادة أمجادهم الاقتصادية في جزيرة السيكار والسكر. إذذاك سيكون لهذا وذاك طعم آخر وسعر آخر… وعواقب في السياسة الدولية.