انتهى أمر تأجيل تسريح الضباط الثلاثة الكبار، ولم يتوقف الجدل. بات المطلوب الآن إعطاب اي محاولة للخوض في تعديل سن تقاعد العسكريين. الحجة تجنيب الجيش ان يصبح اشبه بقُمُع: يتسع للكثير من فوق، ويدلف القليل من تحت
ساعات قليلة قبل توقيع وزير الدفاع سمير مقبل، الاربعاء الماضي، قرار تأجيل تسريح قائد الجيش العماد جان قهوجي ورئيس الاركان اللواء وليد سلمان والامين العام للمجلس الاعلى للدفاع اللواء محمد خير، أرسل تيّار المستقبل الى حزب الله اقتراحا توخى منه، في الظاهر على الاقل، إستيعاب تداعيات القرار. الا ان باطنه إنطوى على جرعة اضافية من إستفزاز الرئيس ميشال عون. فاذا حظوظ الاقتراح أقرب ما تكون الى الصفر لسببين على الاقل:
ــــ انطلاقه من قرار تأجيل التسريح كأمر واقع، يراد منه الامعان في ايلام عون بهزيمة سياسية موجعة.
ــــ أن تيّار المستقبل يتوقع سلفاً ــــ او هكذا يحسب ــــ رفضه، فلا يكتفي عندئذ بابقاء القديم على قدمه، بل يكرّس رفضه القاطع مشروع رفع سن تقاعد العسكريين ثلاث سنوات. يتحدث التيّار عن اعباء مالية كبيرة تنجم عن تطبيق المشروع تصعب السيطرة عليها، الا انه يجعل المؤسسة العسكرية اقرب ما تكون الى قُمُع: 586 عميداً من فوق، و150 ملازماً من تحت.
تضمن اقتراح تيّار المستقبل المعطيات الآتية:
ــــ ملء الشغور في المجلس العسكري بتعيين ثلاثة أعضاء جدد، شيعي وأرثوذكسي وكاثوليكي، كي يكتمل عقد المجلس بأعضائه الستة. الا أن هذا البند تضمّن أيضا فكرة إبدال اللواء خير بضابط سنّي آخر قريب من تيّار المستقبل، آخذا في الاعتبار أن خير عيّنه الرئيس نجيب ميقاتي إبان حكومته، وهو يقيم اليوم في ظل الرئيس تمام سلام.
ــــ ترقية ثلاثة عمداء الى رتبة لواء، يكون احدهم قائد فوج المغاوير العميد شامل روكز. لم يخض هذا البند في إسمي الضابطين الآخرين، الا انه يوجد سُلماً جديدا للضباط العامين في رأس هرم القيادة العسكرية: مارونيان احدهما عماد هو قائد الجيش والآخر لواء هو روكز بلا وظيفة، شيعيان احدهما عضو المجلس العسكري المدير العام للإدارة (شاغر حاليا) والآخر عميد يرقى الى لواء ثان بلا وظيفة، سنّيان احدهما الامين العام للمجلس الاعلى للدفاع (بديلاً من خير) وعميد آخر يرقى الى لواء بلا وظيفة بدوره، لواءان أرثوكسي وكاثوليكي يحلان في المقعدين الشاغرين في المجلس العسكري. لا حاجة اذ ذاك الى ترضية درزية ما دام تأجل تسريح رئيس الاركان.
كان رد فعل حزب الله على الاقتراح، أنه يبارك ما يتفق عليه عون وتيّار المستقبل، لكنه لن يحمل الاقتراح الى حليفه رئيس تكتل التغيير والاصلاح لإقناعه به، ويحبذ أن يجري تداوله مباشرة بين هذين الطرفين، ما دام ثمة محاورون لعون في تيّار المستقبل يترددون على الرابية كالوزير نهاد المشنوق والنائب السابق غطاس خوري ونادر الحريري. الا أن تيّار المستقبل إستبعد التحاور المباشر، متذّرعا بالإمتعاض من اتهام عون إياه بـ «الداعشية». سأل ايلاء المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم تسويق الاقتراح لدى الرابية.
منذ الاربعاء الفائت، لا يزال الاقتراح يدور على نفسه. تيّار المستقبل ينتظر جواب حزب الله الذي افصح باكراً عن رأيه، وهو أنه يبصم على ما يوافق عليه حليفه رئيس تكتل التغيير والاصلاح.
الا أن الحظ الصفر الذي يحوط بالاقتراح، يكمن في بضع ملاحظات:
أولاها، ان ترقية روكز الى لواء تحيله ضابطاً كبيراً بلا منصب، وهو شغل في السنوات الاخيرة قيادة احد اهم افواج النخبة المقاتلة والمدرّبة في الجيش، فوج المغاوير. بل تبدو رتبة لواء خاوية من اي دور، وأقرب ما تكون الى وضع الضابط في التصرّف. وهذا ما لا يصبو اليه الرجل أبداً ولا يريده لنفسه.
لم يسبق حتى الآن أن وُجد لواءان في الخدمة في طائفة واحدة، باستثناء ما مرّ به اللواء علي الحاج بعد إطلاقه من الاعتقال الى حين احالته على التقاعد، عندما وُضع في التصرّف فيما على رأس المديرية العامة لقوى الامن الداخلي لواء واحد آنذاك، هو خلفه أشرف ريفي. لا نظير لحال كهذه في الطوائف الاخرى. بذلك عُدّ المجلس العسكري بأعضائه الستة وقادة الأجهزة الأمنية (الأمن العام وقوى الامن الداخلي وأمن الدولة) الضبّاط الأعلى رتبة في الاسلاك العسكرية المختلفة. تقتصر عليهم وحدهم رتبة لواء. لكل منهم وظيفة وصلاحيات ودور.
ثانيتها، تبعاً لقانون الدفاع لا يمكن ترقية ضابط إلا وفق نظام محدد يقضي بإدراج ترشيحه لها في موعدين قانونيين فحسب للترقية هما الاول من كانون الثاني، والاول من تموز من كل سنة. يمكن منحه في أي وقت أقدمية في الرتبة متفاوتة المدد. الا أن ترقيته الى رتبة أعلى لا تستحق سوى في موعدها القانوني بموافقة المجلس العسكري.
ثالثتها، أن روكز يستفيد من رتبة لواء سنتين فحسب. اولى موصدة الأبواب بسبب إستمرار وجود قهوجي على رأس قيادة الجيش حتى ايلول 2016، وثانية يتبقى له منها بضعة اشهر لن تتيح تعيينه قائدا للجيش وهو على وشك إحالته على التقاعد.
رابعتها، أن الاقتراح يرمي الى إحراج قائد فوج المغاوير أمام ضباط آخرين زملاء له وأصدقاء من بينهم مرشحان لقيادة الجيش هما العميدان مارون حتي والبر كرم، بمفاضلة غير مبرّرة إختارته هو دون سواه من الضباط الموارنة لترقيته الى لواء. كأن المقصود ترضية شخصية فحسب، من أجل ان يبقى في الجيش لا أن يصبح قائده.
خامستها، وقد تكون اولى الملاحظات، أن رئيس تكتل التغيير والاصلاح لن يتأخر، وكذلك روكز، في رفض إقتراح يرمي، في اول ما يرمي اليه، الى الاساءة اليه زعيماً مسيحياً، بتصوير خوضه معركة إزاحة قهوجي والطعن في قانونية تأجيل تسريحه والاصرار على تداول المناصب في المؤسسة العسكرية على انها تختصر في إبقاء صهره داخلها في حال موافقته عليه. بذلك يخرج من الاقتراح بمكسب محدود للغاية، بينما بات الآن ــــ بعد طول معارضة ــــ اكثر ميلاً الى القبول بمشروع تعديل سن التقاعد لكل العسكريين بلا استثناء، ضباطا ورتباء وافرادا.