أصبح الشغور الرئاسي، إذا ما استمر، الشغل الشاغل لكل من يهمه الوضع في لبنان، وهو ما يدعو الى البحث عن ازالة اسبابه بحيث لا يصبح تعطيل نصاب جلسات انتخاب الرئيس قاعدة يلجأ اليها كل حزب او كتلة او طائفة كما يفعل اليوم “التيار الوطني الحر” و”حزب الله”.
إن واضعي دستور الطائف لم يفكروا في أن اللامسؤولية قد تصل عند بعض النواب إلى حد التغيب عن جلسات انتخاب رئيس الجمهورية وكأنهم يتغيبون عن جلسات نيابية عادية لمناقشة مشاريع روتينية يمكن تأجيل إقرارها، علماً أن النظام الداخلي لمجلس النواب يعتبر النائب مستقيلا من عضوية اي لجنة إذا تغيب عن حضور جلساتها مرتين من دون عذر شرعي، فكيف إذا تغيّب عن حضور جلسات انتخاب رئيس للجمهورية وهو أهم انتخاب وأهم استحقاق؟
لذلك ترى أوساط سياسية وجوب البحث في نصوص تحول دون حصول شغور رئاسي لمجرد أن يقرر حزب او طائفة التغيب عن جلسات انتخاب رئيس للجمهورية لغاية في النفس او خدمة لخارج… إذ انه عندما يصبح حضور النواب الجلسات إلزامياً لا يعود في إمكان أي خارج جعل تعطيل نصاب الجلسات سلاحاً في يده يضغط به لإيصال من يريد رئيساً للبلاد، أو يوزع المناصب الثلاثة حصصا بين الاحزاب والكتل، بحيث تكون رئاسة الجمهورية لـ”حزب” ورئاسة المجلس لـ”حزب” ورئاسة الحكومة لـ”حزب”، فيكون كل هؤلاء جاء بهم الخارج ولا شأن للبنانيين بهم… وهذا ما اقترحه البعض حلا لأزمة الانتخابات الرئاسية وذلك بأن يكون رئيس الجمهورية من قوى 8 آذار ورئيس الحكومة من قوى 14 آذار من دون معرفة اي حزب تكون له رئاسة مجلس النواب، مع العلم أنه لا يمكن المساواة بين السلطات الثلاث هذه، لأن مدة ولاية رئيس الجمهورية محددة بست سنوات وولاية رئيس المجلس محددة بأربع سنوات وولاية رئيس الحكومة لا مدة لها لأنها تخضع لثقة النواب، بحيث تستمر الحكومة ما استمرت الثقة بها وتذهب مع حجب الثقة عنها.
وعليه، فإن توزيع السلطات الثلاث حصصا بين الاحزاب كما صار توزيعها على الطوائف الثلاث الكبرى لا يصح الا اذا صارت ولاية كل سلطة متساوية مع ولاية السلطة الأخرى تحقيقا للعدالة والمساواة.
والسؤال الذي يبقى مطروحا بإلحاح هو: كيف السبيل الى منع حصول شغور رئاسي ليصير اعتماده ولا يظل لبنان ينتظر كلمة ايران كما كان ينتظر كلمة سوريا او ينتظر حصول تقارب سعودي – ايراني، حتى اذا لم يحصل ظل لبنان من دون رئيس الى اجل غير معروف، ومن الطبيعي القول إن جسما بلا رأس لا يبقى حياً.
إن أفكاراً كثيرة يجري تداولها في أوساط رسمية وسياسية وقانونية منها:
1 – ان يقرر مجلس النواب ان يكون حضور جلسات انتخاب رئيس الجمهورية إلزامياً، ولا يجوز التغيب عنها إلا بعذر شرعي وذلك تفسيرا لنص المادة 74 وهو: “اذا خلت سدة الرئاسة بسبب وفاة الرئيس أو استقالته او لسبب آخر، فلأجل انتخاب الخلف يجتمع المجلس فورا بحكم القانون”، وتفسيرا لنص المادة 75 وهو: “ان المجلس الملتئم لانتخاب رئيس للجمهورية يعتبر هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية ويترتب عليه الشروع حالا في انتخاب رئيس الدولة من دون مناقشة اي عمل آخر”.
وإذا كان المشترع لم يلحظ احتمال تغيب نواب عن جلسات الانتخاب من دون عذر شرعي فلأنه لم يخطر في باله أبدا حصول مثل هذا التغيب والا كان لحظ نصاً واضحاً وصريحاً يفترض حضورها.
2 – ان يستمر رئيس الجمهورية في منصبه بعد انتهاء ولايته الى ان يتم انتخاب خلف له. وقد يشكل هذا حافزا للاسراع في انتخاب رئيس خصوصا من النواب الذين يرفضون استمرار الرئيس المنتهية ولايته في منصبه.
3 – ان يشطب اسم كل نائب يتغيب عن جلسات انتخاب الرئيس من دون عذر شرعي عند احتساب الثلثين لإكمال النصاب، وهذا من شأنه ان يعطل الغاية من التغيب ويحض على الحضور كي لا يتم انتخاب رئيس للجمهورية من دون صوته.
4 – ان ينتخب رئيس الجمهورية بأكثرية النصف زائد واحد بعد عقد جلستين لا يكتمل فيهما نصاب الثلثين شرط ان تكون هذه الاكثرية ممثلة لكل المذاهب والمناطق.
إن هذه الاقتراحات لا تشكل تعديلا جوهريا يثير الخلاف لأنها لا تتناول الصلاحيات إنما تتناول النصوص التي لا توضح إلزامية حضور جلسات انتخاب الرئيس للحؤول دون جعل تعطيل نصابها قاعدة يعتمدها اي حزب او طائفة، وليست مثل اقتراح جعل انتخاب رئيس الجمهورية مباشرة من الشعب لأن هذا يشكل تعديلا جوهريا للنظام في لبنان ولا يمكن ان يبحث فيه بمعزل عن النصوص الدستورية الأخرى التي قد تحتاج الى تعديل. فما المانع من ان يبحث مجلس النواب والحكومة في الاقتراحات المذكورة آنفا وغيرها اذا لم يكن ثمة سبيل آخر للخروج من ازمة الانتخابات الرئاسية وظل الثنائي عون – نصرالله مصرّاً على تعطيل الجلسات لأن عون يريد ان يكون رئيسا ولا احد سواه، ولأن “حزب الله” يريد ان تكون الكلمة لإيران؟