IMLebanon

إنتحار؟!

لا يوجد لبناني واحد، مخلص لبلده ويهمه استقلاله وسيادته ونظامه السياسي، وصيغة العيش المشترك من ضمن التعددية، إلا ويثني على جهود رئيس تيّار المستقبل سعد الحريري لملء الشغور في رئاسة الجمهورية بالنظر للمخاطر الجمة التي تُهدّد الوطن كياناً ودولة في حال استمر الشغور واستمر معه الفراغ والاهتراء في كل مؤسسات الدولة من مجلس نواب وحكومة وسلطة قضائية، ويدعم كل الخطوات التي يقوم بها في كل الاتجاهات، للبننة هذا الاستحقاق ورفع يد الخارج عنه، حتى يتمكن من تدبير أموره بنفسه وليس بوصاية خارجية بعدما ثبت أن هذا الخارج يعمل لمصالح ولا يهمه مصلحة لبنان، ولا حتى يعني أن يبقى هذا البلد أو أن يذهب «فرق عملة» اللعبة الإقليمية والدولية.

لكن المشهد السياسي الداخلي الذي تبدى بعد الحركة المكوكية لرئيس التيار الأزرق، أصبح واضحاً انه في حال استمر في حركته حتى النهاية، وتبنى وصول العماد عون إلى رئاسة الجمهورية من دون الأخذ ببقية المرشحين من سليمان فرنجية إلى غيره من الأسماء المتداولة، سيكون هو الخاسر الأكبر من هذه التضحيات الكبيرة التي قدمها، وسيبقى لبنان بدلاً من أن يرتاح ويستقر وتستقيم مؤسساته الدستورية كما يريدها رئيس التيار الأزرق، لسبب وحيد وهو أن الذين يريد التعامل معهم، لا يريدون لهذا البلد أن ينعم بالاستقرار والسيادة والحرية إلا وفق شروطهم التي تهدف أولاً وآخراً إلى إعادة النظر في نظامه السياسي، وفي ميثاقيته وصغية العيش المشترك فيه التي تحافظ على كل طوائفه بالتساوي مهما تغيرت وتبدلت الديمغرافيا، وليست السلة الواحدة التي طرحها رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الا النموذج الحي الذي على أساسه يمكن ان يبحث أو يسأل عن المستقبل الذي ينتظر هذا البلد، وهذه السلة هي بمثابة شروط على الرئيس الحريري لا يمكن ان يتحملها أو ان يقبل بها تحت أي ظرف من الظروف لأنها تكتب نهايته السياسية إلى أبد الآبدين، فهل يستطيع رئيس التيار الأزرق أن يقبل أو ان يتحمل مثلاً الاتفاق على رئيس الحكومة وعلى الحكومة وعددها وتوزيع الحقائب الوزارية فيها، مع الاحتفاظ على الثلث المعطل والاحتفاظ بوزارة المالية والطاقة للطائفة الشيعية لتصبح شريكاً في التوقيع على إصدار المراسيم، وهل يتحمل كمثل آخر القبول ببند الجيش والشعب والمقاومة في البيان الوزاري لحكومته، أو لأية أخرى تشكّل في لبنان، وهل يتحمل كمثل ثالث إبقاء السلاح في يد المقاومة إلى ما شاء الله والاتفاق مسبقاً على هوية قائد الجيش وحاكم مصرف لبنان وغيره من الشروط التي تحتويها سلّة الرئيس برّي والتي يؤيدها بطبيعة الحال حزب الله، أليس في كل هذه الشروط إلغاء لكل الدوافع السليمة والوطنية التي أملت على رئيس التيار الأزرق هذا التوجه بكل ما فيه من تنازلات لإنقاذ الرئاسة الأولى ومعها إنقاذ الجمهورية وأكثر، أليس في ذلك كلّه إلغاء له شخصياً وانهائه سياسياً، وخصوصاً انه يسير في خطواته ضد المزاج الشعبي الذي ينطلق منه، ويبني من خلاله موقعه السياسي في هذا البلد.

لا يعتقدنَّ أحد أن رئيس التيار الأزرق يجهل كل هذه الحقائق ويقفز فوقها انطلاقاً من تحسسه بالخطر الذي يُهدّد الوطن في حال استمر الشغور في رئاسة الجمهورية بصيغتها الفريدة في وقت يحضِّر غيره لجمهورية أخرى مختلفة تماماً، إنه الانتحار بعينه..