IMLebanon

الفرار إلى الإنتحار

 

أصبح واضحاً أن خروج لبنان من أزمته المالية الراهنة يحتاج إلى ضخ أموال في شكل مباشر في نظامه المالي، ما يساهم في الحد من التدهور النقدي وفي إنعاش القطاع المصرفي وخزينة الدولة.

 

حتى الآن لا يمكن القول إن هناك خطوات عملية لجذب هكذا أموال، فالحكومة لا تزال رافضة تحت عناوين واهية طلب مساعدة صندوق النقد الدولي وفق برنامج من إعداده، فهي على العكس تحاول ان تقنع هذا الصندوق بخطتها المالية والاقتصادية التي قد لا تتوافق في الكثير من النواحي مع نظرة الصندوق، علماً ان العامل الأبرز في هذا الإطار هو كيفية إعادة هيكلة الدين وهو أمر لن يكون متيسراً قبل أشهر طويلة، لا سيما وأن أي مفاوضات جدية لم تبدأ بعد مع الدائنين المكتتبين بسندات اليوروبوند.

 

هذه الحكومة أيضاً لم تتمكن بعد من إعادة ضخ الحياة في مقررات مؤتمر “سيدر”، والذي كان قد خصص للبنان 11مليار دولار كقروض ميسرة لا تتجاوز نسبة الفائدة فيها الـ 1%، والسبب ان الحكومة لم تقدم بعد على أي خطوات إصلاحية مطلوبة من المانحين الدوليين وفي مقدمها معالجة العجز في قطاع الكهرباء، انطلاقاً من تعيين مجلس إدارة جديد لمؤسسة كهرباء لبنان وتعيين هيئة ناظمة لهذا القطاع، ورفع التعرفة وإطلاق مشاريع للإنتاج الكهربائي بكل شفافية ومصداقية، ويخشى المتابعون لمسار الحكومة في هذا الإطار أن تعلن بعض الدول المانحة عن تراجعها عما كانت خصصته للبنان، لا سيما وأنها أصبحت هي بحاجة إلى هذه الأموال لمعالجة التداعيات الناجمة عن أزمة كورونا وأثرها السلبي على اقتصادها، وكانت ملفتة في هذا المجال الدعوة الفرنسية الواضحة لحكومة دياب للإستعانة بصندوق النقد الدولي.

 

هذه الحكومة تدرك أن زمن المساعدة المجانية وغير المجانية للبنان من الدول العربية ولا سيما الخليجية، وفي مقدمها المملكة العربية السعودية قد ولى إلى غير رجعة، وأن لا وجود للبنان على خريطة اهتمامات هذه الدول لأسباب متعددة تبدأ بالسياسة ولا تنتهي بالإقتصاد، فأصبح لبنان معزولاً عن عالمه العربي لا قدرة له على محاولة كسب ود العرب مجدداً لان ليس لديه ما يقدمه لهم.

 

كل ما تقدم يلعب فيه العامل الأميركي دوراً أساسياً، فالقرار عند كل هذه الجهات مرتبط بكلمة السر الأميركية،وهي حتى اليوم لم تعط أي ضوء أخضر لمساعدة لبنان في أزمته المالية والاقتصادية، بل هي على العكس تواصل التشدد والضغط من أجل منع الانزلاق أكثر فأكثر نحو المحور المعادي لها، وهو انزلاق أصبح بالنسبة إلى الأميركيين خياراً يعتمده الحكم اللبناني ويجاهر به، غير مدرك خطر التداعيات الماثلة أمامه الآن وما يمكن أن يأتي في المستقبل القريب.

 

إزاء هذا الواقع يبدو أنه لم يبق أمام الحكومة سوى محاولات في المجهول للإتيان ببعض الأموال منها من خلال ما يعرف باستعادة الأموال المنهوبة، والضغط على المصارف في مجال التحويلات ورأس المال والودائع، وكلها محاولات لو نجحت فإن نتائجها لن تظهر قبل سنوات ولن تكون أبداً بالحجم المطلوب لإنقاذ الوضع المالي والاقتصادي الذي أصبح بالفعل عرضة لممارسات وقرارات بعيدة عن الواقع والاعتبارات اللبنانية.

 

قد يفكر البعض جدياً في أن يقود لبنان إلى دول منهارة يعتقد أن بإمكانها أن تساعده، وقد يفكر البعض في أن لا بأس إن عاش اللبنانيون كشعوب هذه الدول المنهارة بعدما سُدت أمامهم كل سبل الإنقاذ وسبل الهجرة، وقد يفكر هؤلاء أن الهروب إلى الأمام هو الوسيلة الفضلى لذر الرماد في العيون، غير مدركين أن النهاية هي عند حائط مسدود حيث لا سبيل إلى الفرار منه سوى بالانتحار.