معروف عن الرئيس بري انه لا يمزح عندما يتناول الشأن العام في كلامه. وحتى عندما يستخدم النكتة أو الأمثلة السائرة الساخرة تكون أكثر جديّة من الكلام الحاد والناشف الذي قلّما يلجأ اليه الرجل.
في الأسابيع الأخيرة تحدّث دولته داقاً الناقوس، محذراً من أخطار، منبهاً من تداعيات، رافضاً السير على حافة الهاوية، حاثاً على تخطي الصعوبات.
أحاديثه اليومية تنضح بمخاوف نراها مشروعة. وفي تقديرنا انه لم يستخدم، عبثاً، بعض الكلمات «الكبيرة» جداً التي ترددت في كلامه منذ مَثُلَ هذا البلد الصغير المعذّب أمام الإستحقاقات المتتالية التي دهمته (خصوصاً دهمت العهد الجديد في مطلعه) وأبرزها حالياً، بعدما مرّ قطوع تشكيل الحكومة بسهولة: الإنتخابات النيابية العامة، فسلسلة الرتب والرواتب، فمواجهة الإستحقاقات المالية الضاغطة دَيْناً عاماً محكوماً بالإرتفاع… مع ما يرتبط بالإنتخابات النيابية من قانون انتخاب يجب ألاّ يكون مفصّلاً على قياس أي طرف. ومعلوم أنّ عدم التفاهم على القانون الإنتخابي هو ما يستأخر إجراء هذا الإستحقاق الوطني البارز.
والكلمات والعبارات التي لجأ اليها الرئيس نبيه بري لم تأت مصادفة، أو «زلة لسان». فدولته ليس من هذا الصنف من السياسيين الذين يتعثرون بكلامهم. لذلك أعترف بأنني تهيّبت الموقف عندما سمعته يحذّر، في مرحلة سابقة، من عودة الحرب الأهلية… وهذا كلام لم تمضِ عليه سوى أسابيع معدودة. ولم تكد تمضي عليه أيام حتى عاد فحذّر من «الثورة».
كان رئيس مجلس النواب يلفت الى أهمية إجراء الإنتخابات النيابية رافضاً تمديداً غير تقني… وعليه أطلق تهديداً على جانب كبير من الخطورة في حال كان ثمة إضطرار الى التمديد على مثال التمديدين السابقين اللذين منحا النواب أربع سنوات إضافية (أي ولاية نيابية كاملة)…
ولم يمض كبير وقت حتى تحدّث بري، عن ان جراء الإنتخابات على قانون الستين سيمهد لقيام ثورة شعبية عارمة.
وأمس بالذات أردف رئيس البرلمان تحذيره من الحرب الأهلية والثورة بكلام عن الإنتحار… مستخدماً «السجع» قائلاً: «إذا كان عدم إقرار السلسلة إفقاراً، فعدم إقرار قانون جديد للإنتخابات النيابية سيكون إنتحاراً.
والرئيس بري ليس من الذين يكتفون بـ «اللهم فاشهد أني قد بلّغت». فهو بلّغ وحذّر ودق ناقوس الخطر، وسيظل يبلغ ويحذر ويدق الناقوس، ذلك أن جعبته اللغوية مثل «قبعته السحريّة»… لا تنضبان.
