بعد توقف مسلسل التفجيرات الإنتحارية، عاد الإرهاب ليضرب مجدداً في الضاحية الجنوبية، وتحديداً في عين السكّة في برج البراجنة، ليحوّل ليلَ الضاحية الى موت ودمار وخراب في تفجير هو الأكثر دموية. لكنّ الأخطر حسب الأهالي هو الخوف من عودة مسلسل التفجير الذي دخل هذه المرّة مشياً على الأقدام عبر الإنتحاريين، بعدما كانت التفجيرات تحصل عبر السيارات المفخَّخة. في وقت أعلنت وزارة الصحة عن سقوط 43 شهيداً وأكثر من 239 جريحاً.
إطمأنت الضاحية منذ فترة الى أنّ التفجيرات لن تعود بسبب التدابير الأمنية المشدّدة، وتأمين نوع من الإستقرار الأمني والسياسي في البلاد، وإبعاد التنظيمات المتطرّفة من حدود لبنان الشرقية، لذلك، كانت منطقة برج البراجنة تستعدّ لليلها الطويل، فذهب قسم كبير من الأهالي الى الصلاة في الحسينية، وإستعدّ أصحاب المحال للإقفال في هذا الشارع الشعبي المكتظ بالسكان، فيما كان المواطنون يعودون الى منازلهم. وفي هذه الأثناء كان ثلاثة إنتحاريين يعدّون العدّة ويحددون مكان تنفيذ عملياتهم الإنتحارية.
الخيار وقع على الحسينية المكتظة بالمصلين، فاقترب أحد الإنتحاريين من الحائط، وفي وقت كان البعض يهمّ بالخروج فجّر الإنتحاري نفسه، فأوقع عدداً كبيراً من الشهداء والجرحى، وفي هذه الإثناء كان إنتحاريان يحضّران لتفجير نفسيهما، لكنّ الصدفة والعناية الإلهية أنقذت الحيّ من حمام دمّ إضافي وحمت عشرات المدنيين من الموت المحتّم.
ويروي أحد شهود العيان لـ«الجمهورية» أنه «بعد وقوع التفجير الأول، إنتبه بعض من الشبان الى وجود شخصين غريبين يهمّان بالهروب، وإشتبهوا بأنهما إنتحاريان، فأطلق شقيقه النار عليهما، فأصاب أحدهما، ووقع أرضاً في وسط الشارع، ففجّر نفسه، لكنّ الحزام لم ينفجر بكامله، فقتل الإنتحاري الثالث معه، وأوقع عدداً من القتلى».
وسيطر الخوف والهلع على الشارع ومنطقة الضاحية الجنوبية، واتخذ الجيش أقصى التدابير الأمنية وسط التخوّف من وجود إنتحاريين آخرين يسرحون ويمرحون في المنطقة، فأُغلقت المداخل، ومُنعت السيارات من الإقتراب الى محيط التفجير، وخضع المواطنون لتفتيش دقيق، فيما انصرف الشبّان للبحث عن إنتحاريين مفترَضين. وهرعت سيارات الإسعاف والدفاع المدني الى مكان الإنفجار لنقل الجرحى وجثث الشهداء.
الشارع
رائحة الموت والدمار عبقت من الشارع، تسير بداخله وسط زحمة المواطنين الذين أسرعوا للإطمئنان إلى أقربائهم، فالإقتراب من المنازل ممنوع لأنّ بعض الشرفات معرّض للإنهيار نتيجة ضغط الإنفجار، فقد أضيفت الى صور الشبان الشهداء المعلّقة على الحيطان وجانب الطريق، قافلة من الشهداء المدنيين الأبرياء الذين لا دور لهم بكلّ ما يحصل. وبدا لبرهة من الوقت أنّ الزمن قدّ توقّف في هذا الحيّ.
الإقترابُ من الحسينية ممنوع نتيجة التدابير الأمنية، وباستراق النظر إليها، يظهر أنّ الإنتحاري لم يستطع الدخول الى المصلّى حيث يتناقل الأهالي أنّ أحد الموجودين منعه من إجتياز الباب ففجّر نفسه في الخارج. آثار الدمار تظهر على الحيطان، فيما تلوّنت الارض بالدماء الحمراء، وتطايرت الأشلاء التي عملت فرق الإسعاف على لملمتها للتعرف الى هويات الشهداء.
وخيّمت الصدمة كما الذهول على أبناء الحيّ، وتقول الحجة عفيفة، «إننا لم ندرِ ماذا حصل، ولا نعرف كيف تسلّل الإنتحاريون الى حيِّنا، فعندما كنت داخل المنزل وأحضّر الطعام لعائلتي، سمعت دويّ إنفجار، فركضنا مسرعين لنرى ماذا حصل، وإذ بنا نتفاجأ بعد دقائق بصوت إنفجارٍ ثان، فعدت ودخلت المنزل بعدما أجبرنا شبان المنطقة على التراجع خوفاً من وجود إنتحاريين آخرين».
وككل إنفجار، يتجمهر المواطنون للمساعدة أو بحثاً عن ذويهم، فما كان من «حزب الله» إلّا أن طلب عبر مكبّرات الصوت الرضوخ لأوامر الجيش وإخلاء المكان إفساحاً في المجال امام عمل القوى الامنية، وفي هذه الأثناء وبعدما عمل الجيش على إخلاء المنطقة، أتت إمرأة تحمل إبنة شقراء لا يتجاوز عمرها السنتين، تبحث عن أحد أقربائها، فمنعها الجيش من الإقتراب، لكنها اصرت، وبعد وقت قليل ذهبت للبحث عنه في المستشفيات.
وأعلنت قيادة الجيش أنّ «أحد الإرهابيين أقدم نحو الساعة السادسة على تفجير نفسه بواسطة أحزمة ناسفة في محلة عين السكّة- برج البراجنة، تلاه إقدام إرهابي آخر على تفجير نفسه بالقرب من موقع الإنفجار الأول، ما أدّى إلى وقوع عدد كبير من الإصابات في صفوف المواطنين.
وعلى الأثر نفّذت قوى الجيش إنتشاراً واسعاً في المنطقة وفرضت طوقاً أمنياً حول موقعي الإنفجارين، كما حضر عدد من الخبراء العسكريين وباشرت الشرطة العسكرية رفع الأدلّة من مسرح الجريمتين لتحديد حجم الإنفجارين وهوية الفاعلين. وقد تمّ العثور في موقع الإنفجار الثاني على جثّة إرهابي ثالث لم يتمكن من تفجير نفسه».
وكلّف مفوّض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي صقر صقر الشرطة العسكرية ومديرية المخابرات في الجيش اللبناني، إجراء التحقيقات الاوّلية وفرض طوق أمني في مكان الانفجارين في برج البراجنة.
«داعش» و«كتائب عزام»
وتبنّى تنظيم داعش عبر موقعه الرسمي التفجيرين في الضاحية الجنوبية ونعى ثلاثة من منفّذي ما اسماها «الغزوة» وهم المدعو حامد رشيد البالغ فلسطيني الجنسية، عمار سالم الريس فلسطيني الجنسية، وخالد أحمد الخالد سوري الجنسية.
وغرّد الناطق الاعلامي باسم «كتائب عبد الله عزام» الإرهابي سراج الدين زريقات تعليقاً على تفجيري برج البراجنة، بالقول «ها هي الضاحية الجنوبية لبيروت معقلُ حزب إيران مضرجة بدماء قتلاها في بيئة لطالما أرسلت إلى سوريا قتلة ومجرمين فاخرجوا من سوريا».
تفقّد المكان
الى ذلك، تفقد وزير الصحة العامة وائل أبو فاعور، يرافقه النائب علي المقداد، موقعي الإنفجارين في الضاحية الجنوبية، وقال من امام مستشفى الرسول الأعظم في طريق المطار: «لقد تجاوزنا الـ200 جريح، والبعض استشهد نتيجة جروحه البالغة في المستشفيات. وهناك ايضاً أشلاء لانتحاريين مفترَضين. ونحن ربما قد نجوْنا من كارثة كبيرة، لا سيما أنّ أحد الانتحاريين لم ينفجر حزامه الناسف».
ودعا إلى «مزيد من التنسيق بين الأجهزة الأمنية، لا سيما أنّ هذا التنسيق هو أكثر من ممتاز، وهو الذي حمى لبنان من هزات أكبر».
وقال وزير العمل سجعان قزي بعد تفقده مكان التفجيرين الانتحاريين في برج البراجنة «اقدّم التعازي لكلّ عوائل الشهداء واتمنّى للمصابين الشفاء العاجل، واليوم أنا متواجد مع شركائي في الوطن للتضامن مع ذوي الشهداء، وهذا واجبي كوزير كتائبي ووزير في حكومة الائتلاف الوطني والوحدة الوطنية».
«حزب الله»
وتفقد المعاون السياسي للامين العام لـ»حزب الله» الحاج حسين خليل مكان التفجيرين، وقال «إنّ هذه الجريمة ليست موجَهة ضدّ حزب او ضدّ منطقة او ضدّ فئة، انما هي جريمة ضدّ الانسانية جمعاء، ومن قاموا بها هم وحوش لا ينتمون للبشرية». واضاف: «ليس مستبعَداً على «داعش» وكلّ مَن ينتمي لهؤلاء الوحوش الكاسرة أن يتبنّوا مثل هذه العمليات الاجرامية، وهؤلاء ليس لديهم ايّ توقيت ويستغلون ايّ فرصة ليتكالبوا على نهش المجتمع».
إقفال المدارس والجامعات
وحداداً على أرواح الشهداء، اعلن وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب «انه وبعد التشاور مع رئيس مجلس الوزراء تمام سلام قرر اقفال كلّ المدارس الرسمية والخاصة والمعاهد التقنية والمهنية والجامعات تضامناً مع ارواح الشهداء الابرياء بمَن فيهم الاطفال». وقد زار بو صعب مكان التفجير معلناً عن تضامنه مع الضحايا. في حين اكد رئيس الجامعة اللبنانية الدكتور عدنان السيد حسين عن اقفال الوحدات والفروع الجامعية.