Site icon IMLebanon

عن انتحاريي القاع: 12 سؤالاً قيد التحقيق

هل كان الانتحاريون يستهدفون بلدة القاع؟ وهل تحتاج بلدة بحجمها إلى ثمانية انتحاريين؟ ما هي الوجهة الحقيقية لمنفّذي الهجوم؟ من هم هؤلاء؟ كيف حُدِّدت هوياتهم وإلى أي تنظيم ينتمون: جبهة النصرة أم «الدولة الإسلامية»؟ أين كانوا ومن أين أتوا؟ لماذا لم يصدر بيان يتبنّى العملية؟

وهل حقّقت هدفها فعلاً؟ هل انتهت عند هذا الحدّ أم أنّ الآتي أعظم؟ هل كان ينوي مسلّحو الجرود «غزو» القاع واحتلالها؟ لماذا كان يحمل الانتحاريون الأحزمة الناسفة في حقائب على ظهورهم؟ هل تقصير إجراءات الجيش تسبّب في الخرق الأمني أم سهّل مهمة الانتحاريين؟

جملة تساؤلات طُرحت في اليومين الماضيين بقوّة، لكن لا إجابة شافية لدى المعنيين بعد، باستثناء المعلومات التي توصّلت إليها استخبارات الجيش بعدما تمكّنت من تحديد هوية منفّذي الهجوم والجهة التي ينتمون إليها. فقد جرى عرض صور الجثث على عدد من الموقوفين المنتمين إلى تنظيم «الدولة الإسلامية»، فتعرّفوا على سبعة من أصل الثمانية. أكّد هؤلاء أن الجثث تعود إلى عناصر «الدولة» في القلمون. وذكر الموقوفون أنهم سبق أن شاهدوا الانتحاريين في عرسال وجرودها. وأفادوا بأنّ قسماً منهم كان قد انتقل إلى الرقة حيث التحق بعاصمة «الخلافة» ليخضعوا لدورات عسكرية وشرعية، ويبدو أنّهم عادوا في «مهمات أمنية أو استشهادية».

يستغلّ المسلّحون تسهيلات بعض حواجز الجيش تمرير مساعدات غذائية لتهريب أسلحة ومطلوبين

ونقلت المعلومات، بحسب إفادات الموقوفين أيضاً، أنّ اثنين من الانتحاريين هما من ضمن ما يُعرف بـ«أشبال الخلافة» الذين لا تزيد أعمارهم على ستة عشر عاماً. وهذان زارا الرقة أكثر من مرة. وبناءً على هذه المعطيات، غلّبت الأجهزة الأمنية فرضية أنّ يكون الانتحاريون قدموا من الجرود، على فرضية تسللهم من مشاريع القاع.

أما وجهة الانتحاريين، فلا تزال موضع بحث، إذ إنّ تحقيقات الفرع التقني لا تزال في بداياتها. ولم يُحدّد بعد المسار الجغرافي الذي سلكه منفّذو الهجوم. ورغم ترجيح فرضية أن تكون بلدة القاع هي الهدف، سواء مركز الجيش أو دورياته أو التجمعات البشرية فيه، لا سيما بعد الهجمات الانتحارية الأربع ليلاً على كنيسة البلدة وبلديتها، إلا أنّ فرضية أن تكون القاع مجرّد ممر للانتحاريين لا تزال قائمة. والنقاشات في الأجهزة الأمنية لا تزال قائمة في هذا الخصوص، إذ هل يُعقل أن قيادة «الدولة الإسلامية» قد فرزت ثمانية انتحاريين دفعة واحدة لبلدة صغيرة، الأغلبية الساحقة فيها تنتمي إلى الطائفة المسيحية؟ الإجابة عن هذا السؤال تُستشف من خلال إفادة موقوفين بارزين في صفوف تنظيم «الدولة»، إذ إنّ التعليمات التي تلقوها من الأمير الأمني لـ«الساحة اللبنانية» المدعو «أبو أنس» شدّدت على ضرورة أن يتلازم كل تفجير مع استهداف مواز في اليوم نفسه أو في اليوم التالي، يطال المشيّعين إمعاناً في التنكيل وزيادة في وقع العملية. غير أنّ ما جرى في القاع، أول من أمس، له دلالات أخرى تصبّ في مصلحة تغليب فرضية أن تكون القاع ممراً لا هدفاً. فلو كان هؤلاء يستهدفون البلدة، لما كانوا وضعوا أحزمتهم الناسفة في حقائب على ظهورهم، بل كانوا ارتدوها باعتبار أنّهم في مهمة تنفيذية. حتى مسألة التكبيرات، لم تُلحظ في إفادات الشهود والجرحى. وهذا يعزز مسألة أن يكون الانتحاريون في حالة إرباك نتيجة موقفٍ مفاجئ فرض تبديلاً في الخطة المرسومة. تعزز هذه الفرضية معطيات توافرت للأجهزة الأمنية، بناءً على معلومة مخبرين، تُفيد عن وجود انتحاريين بصدد الانتقال من الجرود إلى الداخل اللبناني لتنفيذ عمليات في البقاع والضاحية وبيروت، وأنّ هؤلاء ينتظرون سيارة تقودها فتاة ستقلّهم. ربما، قد تكون هذه المعلومة توصل إلى هؤلاء الانتحاريين. لكن مهلاً، إذا كانت الصدفة أربكت الفوج الأول من الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم صباحاً، فما هو الدافع الذي حرّك الفوج الثاني من الانتحاريين الذين فجّروا أنفسهم ليلاً؟ هناك إجابتان عن هذا السؤال: الأولى أن المجموعة الثانية من الانتحاريين وجدت نفسها مطوّقة ومحاصرة في القاع، لا سيما بعد تشديد الإجراءات الأمنية على خلفية الهجوم الأول، ما دفع أعضاءها إلى استكمال الهجوم بتفجير أنفسهم خشية محاصرتهم أو انكشاف أمرهم قبل التنفيذ، ويُستدل على ذلك بالانتحاري الذي فجّر نفسه في البستان بعيداً عن أي هدف. أما الإجابة الثانية فتستند إلى تعليمات «أبو أنس» التي تقضي بأن يُتبع كل هجوم باستهداف يطال المشيعين وأماكن العزاء. وبما أنّ العملية الأولى قد وقعت، بغض النظر إن كانت قد وقعت في المكان المخطط له أو لا، ارتأت المجموعة الثانية استكمالها بحسب النهج المرسوم. ويعزز هذه المسألة عدم صدور بيان عن تنظيم «الدولة» يتبنّى العملية بعد، مع العلم بأنّه لو كانت العملية قد أصابت هدفها، لكانت القيادة أوعزت بإصدار البيان فوراً. وان هذا التأخير لإعادة صياغة بيان التبنّي لعدم الإيحاء بأن العملية لم تصب هدفها المحدد مسبقاً. أما ما تردد عن تداول «غزوة القاع»، في تكرار لسيناريو عرسال قبل سنتين، لكن هذه المرة عبر التمهيد بانغماسيين وانتحاريين لاقتحام البلدة، لا سيما أنّ هذا الأسلوب يعتمده التنظيم في كافة اقتحاماته لبث الرعب وتهجير أهل البلدة، فإنّ المصادر الأمنية نفت هذا السيناريو باعتبار أنّه لم يُرصد أي حشد لمجموعات أو تعزيزات للمسلحين في الجرود، على تخوم القاع. أما القرار لدى تنظيم «الدولة» بشن هجمات انتحارية وانغماسية في الداخل اللبناني، فإنّ كل الدلائل من إفادات موقوفين ومعلومات مخبرين وتنصّت تقني تؤكد أنّ خطره لا يزال قائماً في كل لحظة.

إضافة إلى ما سبق، تحضر مسألة الخروق الأمنية. ماذا عن الإجراءات الأمنية للجيش؟ هل هي كافية أم أنّ هناك تقصيراً في مكان ما. وفي هذا الخصوص، تتحدث معلومات عن تساهل بعض حواجز للجيش، لا سيما تلك الموجودة في عرسال، في عمليات التفتيش، ما يؤدي إلى تسهيل إدخال مساعدات إغاثية أو غذائية، غير أنّ المعطيات تكشف أنّ المسلّحين يستغلّون هذه التسهيلات لتهريب أسلحة وذخائر ومطلوبين، من عرسال إلى الجرود، وبالعكس.