بعد مرور اسبوع على تفجيري برج البراجنة الإنتحارييّن وما تلاها من القاء القوى الامنية القبض على شبكات إرهابية بعضها مرتبط بالحادثة نفسها وبعضها الآخر كان في طور التحضير لعمليات مشابهة في مناطق اخرى، سيطر هاجس الخوف على حركة اللبنانيين ويومياتهم وتحوّل إلى حالة ذعر رافقتها شائعات ومعلومات تحدثت عن وجود إنتحاريين بين الناس يرتدون أحزمة ناسفة في أكثر من منطقة وخصوصاً داخل مراكز تجارية.
بدت خلال اليومين الماضيين الصورة في العديد من المناطق شبه ضبابية من جرّاء حالات الخوف التي أرخت بظلالها على حركة الناس في الشوارع حيث بدت غالبية المحالّ التجارية والمطاعم شبه خالية من روّادها وبنسبة كبيرة قياساً بالأيام التي سبقت يوم التفجيرين. وحده الخوف على المصير المجهول أصبح هاجس الناس وشغلهم الشاغل ومعه خضعت حركتهم للرسائل التي كانت تتناقلها هواتفهم والتي تحذرهم من زيارة أماكن يُحتمل وجود إنتحاريين بداخلها أو أرجحية تحوّلها إلى نقطة استهداف مُفترضة.
المعلومات التي جرى تداولها أمس عن وجود إنتحاريين بين الناس، جعلت جزءا كبيرا من اللبنانيين في حالة لا استقرار الأمر الذي انعكس خوفاً على حياتهم وحياة أبنائهم وأطفالهم، ما جعل أغلبيتهم يلتزمون منازلهم خصوصاً بعد ورود أخبار تفيد عن وجود إنتحاري في احد المراكز التجارية في محلّة ضبية وهو ما نفته قوى الأمن الداخلي ثم تلتها معلومات اخرى تحدثت عن العثور على أحزمة ناسفة في أكثر من مكان منها حزام ناسف غير معد للتفجير بين مركز الأمن العام وحاجز الجيش اللبناني عند مدخل بلدة عرسال. لكن وفي المقابل تستمر القوى الأمنية سواء الجيش وشعبة المعلومات والأمن العام، في عملها وتقوم بملاحقة الشبكات الإرهابية من الشمال إلى الجنوب وتحاصر منافذ ومداخل جميع المناطق المهددة بأعمال إرهابية لدرجة جعلت من أفراد الشبكات هذه، يتخلصّون من المواد المتفجرة لديهم خشية سقوطهم بيدها.
أمّا في الضاحية الجنوبية، فقد تفاوتت مشاهد الخوف والذعر بين منطقة وأخرى، فعند تقاطعات الغبيري، المشرفية وكنيسة مارمخايل، كانت حركة السير خفيفة قلما شهدتها تلك المناطق من قبل. لكن المفارق المؤدية إلى الضاحية على طول طريق المطار قد ازدحمت بالسير نتيجة التدقيق في تفتيش السيارات التي كانت تدخل إلى المنطقة وتحديدا تلك الآتية من الجهة الجنوبية. أخبار في الضاحية أوهمت الأهالي بأن إنتحاريين أصبحوا على مسافة قريبة منهم وأن هدفهم بيئة «حزب الله» فقط. وهنا من عاد للحديث عن فرضية الإنتحاري الذي سيُفجّر نفسه بين الناس على الطرقات أو داخل «فان» أو في أي مكان مُزدحم، والبعض ذهب إلى التفكير مجدداً بإعادة بناء الدشم الإسمنتية أمام منزله أو مقر عمله بعدما كان تم الإستغناء عن هذه الظاهرة منذ سنة تقريباً.
كل الأوجاع المُتشابهة على أرض الضاحية الجنوبية المنطقة المعنية بالموت بشكل أساسي، يشعر بها زائرها منذ أن تطأها قدماه. أوجاع تدل على مشهديّة الموت في يوميّاتهم والتي تحوّلت جزءاً أساسيّاً من سنين تُلاحق خطواتهم لتخطف منهم أعز ما يملكونه، فالنعوش أصبحت علامة فارقة في حياتهم، أمّا من هم في داخلها فتحوّلوا بدورهم إلى رزنامة تتشابه في حكايا أوراقها لكنّها تختلف في الأرقام ومن حيث الموت. هناك من هو شهيد وهناك من هو «شهيد واجب»، وبين هذا وذاك، عاد شبح الإنتحاريين ليُسيطر مُجدداً على تفكير كل الاهالي وليحتل الهاجس الأكبر في عمليات تنقلاتهم اليومية. وفي الضاحية عاد من يسأل عن موت يُلاحقه أو قد يكون على بعد أمتار منه. الجميع أصبح متهما إلى أن يثبت العكس ومع هذا يضعون أعمارهم أمانة بيد الله وحده مع سيل من الأدعية والصلوات، وصاروا أيضاً يبحثون عن نقطة آمنة في لحظات عصيبة وصعبة فإن لم يجدوها قرّروا مغادرة منازلهم وأحيائهم مُجدّداً إمّا جنوباً وإمّا بقاعاً أو خلف حدود «دويلتها».