بين الفعل والمردود السؤال الكبير، هو انه عندما يلجأ أناس الى هذا المستوى من الشراسة، ان يقتلوا أياً كان، مذنبين أو أبرياء، شيوخاً أو أطفال أو نساء، بما في ذلك أنفسهم، هذا المستوى الجذري الحاسم، هو في الواقع ردّ عنيف على ضيم واقع، ولا مردّ له، بنظر الواقع عليه، بغير هذا الأسلوب…
الجواب المنطقي، انها نتيجة تكالب المصالح الدولية على ارادة وكرامة هذه الشعوب، وانعكاس لفشل الأنظمة المتعثرة في كبح الفساد المستشري والانهيارات السياسية المتلاحقة، على المستويين الوطني والديني، بالاضافة الى رفض الأصوليين الجذريين للحداثة الغربية، السائدة على جزء من المنطقة، والتي حوّلت ملايين الشباب العربي الى مرتزقة يحاربون لحساب الدول، ثم يتحاربون مع هذه الدول، مثال القاعدة بالأمس، وداعش اليوم، من دون ان يفسحوا لهم مجال الحياة خارج هذا الاطار.
لكن برأي هؤلاء، المبني على أصولية دينية، ليس فيها من الأصولية غير الشكل، ان تحسين ظروف الحياة السياسية، يوجب العودة الى عهد دولة الخلافة، يقيناً منهم بأن الحياة السياسية يومها كانت أفضل…
ما يعني ان الناس تصل الى هذا المستوى من اليأس، بسبب الشعور بظلم الحياة لهم، وليس الدين… علماً، يقول بعض الفلاسفة، إن كل الديانات سماوية أو فلسفية، تشرّع العنف، أو على الأقل مارست العنف، تحت راية الدين، واذا كان لا بد من اخراج العنف من الدين، فذلك يتطلب فصل الدين عن الدولة. وفصل السلطة الدينية، عن السلطة السياسية، وهذا في لبنان، من سابع المستحيلات.
وتبقى مسألة التعرّض للأهداف المدنية، فالاسلام يحظر قتل البريء والأسير والمرأة والطفل، حتى في الحروب، والفكر السياسي يدرج ضرب المدنيين في الخانة الخاسرة للضارب. فالتعرّض للأهداف المدنية، حتى في بلاد العدو الحقيقي، تدفع الناس الى الالتفاف حول حكومتهم أو نظامهم، أو حتى زعيمهم المستهدف أساساً، برد فعل غريزي دفاعاًعن وجودهم.
وربما جاء من يذكّر بالبراميل المتفجرة والقنابل الكيميائية التي لم تميّز بين مقاتل وبين مدني أعزل في سوريا، وبالتالي ادراج العمليات الانتحارية العشوائية في خانة العمل المضاد، ويُرد على ذلك، بأن هذه البراميل قتلت الكثير من المدنيين الأبرياء، وهجّرت أكثر من نصف الشعب السوري، لكنها لم توقف تدهور سلطة النظام، ولا أغنته عن طلب المدد الخارجي، المتعدد المصادر والغايات!
وربما هناك من يتحدث عن فتاوى دينية تدخل العمليات الانتحارية في سياق العمل الجهادي في سبيل الله أو الوطن، وترد اوساط مطلعة، بالقول إن مثل هذه الفتاوى ان وجدت في مرحلة من المراحل، فانما استهدفت العدو المغتصب للأرض، ومثل هذه الحالة لا تنطبق على الوضع، فبرج البراجنة ليست في فلسطين المحتلة، كما ليست حلب وحمص والغوطتين كذلك، فكيف بالأحرى باريس؟
والمؤسف ان التصميم قائم في هذا المجال، والعشوائية معتمدة أكان على مستوى الفعل أو رد الفعل، وهذه الحالة سائدة وربما مستمرة، واستمرارها من استمرارية النفخ الدولي والاقليمي في كير المحرقة السورية، ومواقد اليمن والعراق، لكن الأمل معقود على ان يفضي الحراك الدولي عبر فيينا، والذي اعقب سقوط طائرة الركاب الروسية فوق سيناء، واسقاط الموت على رؤوس الباريسيين في الملاعب والمطاعم ومقاهي الرصيف، الى ما يضع حداً لبلقنة الديار العربية المشتعلة بنار الخريف الحارق، بعدما اثبتت تطورات الاحداث السورية ان لا احد في هذا الكون فوق رأسه مظلة. كما انه لا توجد غابة من دون اشجار ملتوية، والمهم ان تقتنع القوى الكبرى بأن معالجة النتائج من دون الاسباب، مخدر مفعوله يزول… –