IMLebanon

الإنتحار في زمن الإنهيار: داني قتله الجوع

 

غابت طقوس «الميلاد» هذه السنة عن لبنان، فالازمة الاقتصادية المستفلحة بدّلت المشهد، والعائلات اللبنانية التي كانت تنتظر «ميلاد الفادي»، باتت اليوم في مكان آخر تبحث فيه عن لقمة تعتاش منها وتقيها «عوز الفقر».

المخاوف من الصورة القاتمة لمستقبل لبنان تحوّل «الانتحار» من ظاهرة الى واقع أليم يدفع بالشباب اللبناني إليه، وبات انتحار المواطن خبراً يومياً في الاعلام، ويرتفع العدد بشكل مطّرد مع تعمّق الازمة التي دفعت معظم المؤسسات والشركات في الأشهر القليلة الماضية الى اتخاذ خطوات وصفتها بالاحترازية، بهدف «الإستمرار» ومنعاً للاقفال التام، فخفّضت رواتب موظفيها الى النصف، في حين تأخرت أخرى في تسديد مستحقاتهم وطردت بعضاً منهم نهائياً من العمل.

 

داني أبي حيدر

بالأمس، أنهى داني ابي حيدر إبن الأربعين عاماً حياته برصاصة في رأسه، بعد أن ضاقت به الأحوال وبات مسؤولاً عن عائلتين، أسرته الصغيرة المؤلفة من زوجة مريضة و3 أولاد، وعائلته التي تضم أباً وأماً أجبِرا على ترك منزلهما لعدم قدرتهما على دفع إيجاره، وانتقلا للعيش معه.

وأفادت المعلومات أنّ «الشركة التي يعمل فيها منذ ما يقارب 25 عاماً، كانت قد أبلغته أنّه سيتقاضى نصف راتب بسبب الأوضاع الإقتصادية في لبنان»، إلّا أنّ الشركة عادت ونَفت ذلك.

 

«الجمهورية» التي قصدت بيت داني والتقت عائلته، علمت أنّ العائلة تربط انتحاره بأسباب عدة، أبرزها «التهديدات التي تلقّاها قبل نحو أسبوع من السوبرماركت الذي رفض بيعه أيّ نوع من المواد الغذائية، وطالبه بضرورة تسديد الدين المتراكم عليه، والبالغة قيمته ثلاثة ملايين ليرة، وإلّا فإنّه سيقدّم دعوى قضائية بحقه، فضلاً عن ديون أخرى للمصارف، ودفعات الأقساط المدرسية، وقرض الشقة التي يسكنها، وصولاً إلى كلفة أدوية والديه…».

 

وعلى وقع صوت سيارة الاسعاف التابعة للصليب الأحمر اللبناني، والتي نقلت الجثمان، صدح صوت والدته المفجوعة تقول: «ليه عملت هيك يا أمّي»؟.

 

ليس الأوّل وقد لا يكون الأخير

داني ليس الأوّل وقد لا يكون الأخير. فقبل أيام، إنتحر لبناني آخر هو ناجي الفليطي، من عرسال حين طلبت منه ابنته أن يشتري لها «منقوشة» زعتر ثمنها 1000 ليرة. كذلك انتشر على مواقع التواصل الإجتماعي «فيديو» لسيّدة من طرابلس تدعى فاطمة المصطفى حاولت إحراق نفسها في ساحة عبد الحميد كرامي، قبل تدخّل شبّان من تجمّع «حراس المدينة» ومنعها من ذلك.

 

 

كما انتشر «خبر» لرجل في عكار وآخر في صيدا حاولا إضرام النار بنفسيهما، لكن جرى إنقاذهما.

 

من الناحية النفسيّة

المعالجة والباحثة النفسية كارين إيليا، التي حاوَرتها «الجمهورية»، رفضت أن تكون الأزمة الاقتصادية التي «تطال كلّ الناس هي سبب الإنتحار، فلماذا قد يُقدم شخص على الإنتحار ولا يفعلها شخص آخر في حين أنها تطال الجميع؟»، مضيفة أنّ «الانتحار ناتج من أسباب نفسية أكثر منها خارجية، لأنّ من يُقدم عليه، يكون قد فعل ذلك بقرار نابع من داخله حتى لو ساعدته العوامل الخارجية».

 

وعن ارتفاع ظاهرة الإنتحار في لبنان، أشارت الى أنّ «الظواهر الاجتماعية تؤثّر على بعضها البعض لأنّ الكائنات تؤثّر في الغير والغير يؤثّر فينا. فهناك احتمال كبير أنّ يتبنّى الفرد عملاً قام به شخص غيره، لكن يجب أن يكون لديه أوّلاً استعداد لهذه الحالة. وبمعنى أوضح أنّه اذا قرر أحد ما الانتحار سينظر الى من قام بهذه العملية قبله، وقد تكون آخر عملية أحدثت ضجّة اجتماعية، فتعاطفَ الناس معها وقدّمت لعائلة الضحية المساعدات المالية والطبية والمدرسية… لذلك يصبح احتمال أن يكون لدى بعض الأشخاص هذه الهَشاشة النفسية فيقدمون على التخلي عن حياتهم لإنقاذ بقية العائلة، ولكن هذا ليس بعمل صحي أبداً».

 

عائلة أبي حيدر تختصر «الموزاييك» اللبناني: أب من الطائفة الشيعيّة وأمّ سنيّة، وداني من مناصري «حزب الله» وشقيقه إبراهيم من مؤيدي حزب «القوّات اللبنانية».

 

لكنّ ذلك كلّه لم يشفع لـ»شهيد الفقر»، ما دفع بابراهيم الى أن يسأل: ماذا فعل لنا المسؤولون السياسيّون والأحزاب؟ وماذا فعلوا للوطن والمواطن؟!

ما نشهده اليوم يعبّر عن المأساة التي وصلنا إليها في زمن ثورة المواطن على منظومة الفساد… لكنّ الانتحار يبقى مرفوضاً اجتماعياً ودينياً…