IMLebanon

لهذه الأسباب تتزايد حالات الانتحار بين عناصر قوى الأمن الداخلي خسروا 95 بالمئة من رواتبهم… ولم يتخلّوا عن واجبهم 

 

 

كان لافتاً تسجيل ثلاثة حوادث انتحار لعناصر في قوى الأمن الداخلي في يومٍ واحدٍ خلال الشهر الماضي، حيث كان القاسم المشترك في الحوادث الثلاثة، هو الضائقة الاقتصادية وتراجع راتب العنصر بنسبة 95 بالمئة، من حيث قدرته الشرائية عمّا كان عليه قبل الإنهيار المالي، ما أدّى إلى تغلّب اليأس على إرادة الحياة لدى البعض، وهو ما يمكن اعتباره حالةً تتخطى هذه العناصر إلى العديد من اللبنانيين، الذين يجدون أنفسهم ومنذ العام 2019، وتحديداً بعد 17 تشرين الأول والانهيار المالي، من دون أي سند أو دعم مهما كان نوعه بعدما خسروا ودائعهم، وهم اليوم مضطرون الى العمل انطلاقاً من نقطة الصفر، وإعادة تكوين استقرارهم المادي والمعيشي.

 

ومن الواضح اليوم، وفي ضوء الغلاء المتزايد وغياب أي سياسة اقتصادية ومالية إصلاحية رسمية أو خطة إنقاذ أو تصحيحٍ لرواتب الموظفين في المؤسسات العامة والأجهزة الأمنية، فإن عناصر قوى الأمن الداخلي، يواجهون أكثر من تحد نظراً لتدني الرواتب بالدرجة الأولى، ذلك أن راتب الموظف لا يكفيه من أجل الانتقال إلى مركز عمله، بعدما بات، وعلى سبيل المثال، راتب العريف في قوى الأمن لا يتجاوز سقف مئة دولار، بينما كان يوازي قبل الأزمة ألف دولار.

 

كذلك، فإن الأزمة لا تقتصر فقط على الجانب المادي، بل شملت التقديمات المدرسية كما الاستشفاء، بعدما امتنعت المسشفيات عن استقبالهم، فيما توقفت طلبات التسريح ما دفع إلى تسجيل مئات حالات الفرار من الخدمة.

 

الأمن ليس صدفةً

 

وتقول مصادر مطلعة على تماس مع هذا الواقع الصعب الذي تواجهه مؤسسة قوى الأمن الداخلي لـ “الديار”، إنه “لن يكون بإمكان أي مواطن أن يطمئن إلى حياته اليومية ويتنقل في الشارع وبين المناطق في مناخٍ أمني مقبول، ويفوق بنسبةٍ مقبولة مستوى الأمان في أي بلدٍ آخر، لولا وجود عنصر الأمن الذي ينظّم حركة السير في الشارع أو يلبّي نداء أي مواطنٍ مقطوع في منطقة بعيدة سواء بالثلج أو بالمياه على الطرقات، أو في أي طارىء أمني قد يستجد فجأة في الشارع أو في المنزل أو في المدرسة أو في المصنع، أو في المركز التجاري وغيرها من المرافق والمناطق”.

 

وتشير المصادر إلى أن “الأمن ليس صدفةً، بل هو نتيجة قيام هؤلاء العناصر بواجبهم من دون انقطاع، فعناصر الأمن الداخلي، يعملون ضمن دوامات كاملة ولا يغيبون كما الموظفين في الإدارات الرسمية، حيث أن الحضور يكون ليومين أو ثلاثة فقط، كما أنهم لم يحتجوا أو يعترضوا على الظروف المادية الصعبة ورواتبهم المتدنية والغبن اللاحق بهم، كما هي الحال بالنسبة للموظفين في الدوائر الرسمية أو الأساتذة أو حتى القضاة الذين قاطعوا العمل عدة مرات، علماً أن هناك تساهلاً بالنسبة للحضور، إنما لا يمكن التساهل في الملف الأمني أو تأجيله أو إهماله، بصرف النظر عن الكلفة المرتفعة للإنتقال أو تأمين متطلبات الحياة الكريمة له ولعائلته، أو حتى تأمين الطبابة والدواء والأقساط المدرسية، وهي كلها عوامل تزيد من التوتر وأحياناً الإكتئاب الذي يشعر به كل اللبنانيين نتيجة الأزمة الإقتصادية والمالية الخانقة منذ العام 2019”.

 

معاناة وأزمات نفسية

 

وعن الأزمات التي تسجّل على هامش الضائقة الإقتصادية، تجيب المصادر إنه “إذا كان العنصر أو الضابط في قوى الأمن، يلجأ إلى مقاطعة الخدمة أو إلى الانزلاق نحو أزمات نفسية حادة تؤدي إلى فقدان الأمل بالحياة، نتيجة الأعباء ومتطلبات الحياة المتعددة فيما راتبه يتضاءل بسبب انهيار الليرة اللبنانية، فإن معاناته لا تختلف عن معاناة أي لبناني سواء كان موظفاً في القطاع الخاص أو في القطاع العام أو في جهازٍ أمني، وبالتالي، مقاربته وصموده تجاه هذه الأزمات، قد تكون مختلفة ما يدفع بالبعض منهم إلى الانتحار، علماً أن نسبة الانتحار قد زادت بشكلٍ لافتٍ في الأعوام الماضية، حيث سجلت خلال العام الماضي 138 حالة انتحار فيما ما زالت إحصاءات العام الحالي تؤشِّر إلى ارتفاع هذا العدد حتى نهاية ال2023، وخصوصاً أن المؤسسات الدولية صنّفت لبنان بلداً متوسط الدخل إلى فقير”.

 

تضحية رغم الأزمات

 

وبالتالي، تشدِّد هذه المصادر على أنه “ليس سهلاً اليوم، وفي ظل هذه الظروف الصعبة، أن يواصل عنصر الأمن التمسك بواجباته والحفاظ على إرادة العمل والتضحية بشكل يومي، رغم أنه يعمل ضمن ظروف مختلفة عن ظروف العناصر في أجهزة أخرى، وذلك بسبب الموازنة المنخفضة المخصّصة لهذه المؤسسة، حيث المعاناة تبدأ من رأس الهرم إلى القاعدة، رغم أن هناك محاولات حثيثة للعمل من أجل تقديم نوعٍ من الدعم والمساندة، ولو بالحدّ الأدنى، ووفق الإمكانات المتوافرة لكل عنصر في قوى الأمن الداخلي”.