على مدى يومين شغل العشاء السويسري، الذي كان من المفترض ان يقام مساء اليوم في السفارة السويسرية في بيروت، بال اهل السلطة والاحزاب اللبنانية حول ما سيدور في كواليسه وخباياه، فأتت التأويلات اكثر بكثير من حجمه، ليسيطر ” القيل والقال” في كل الكواليس السياسية.
الدعوة اتت من منظمة “هيومن دايلوغ “، وليس من خلال السفارة، لجمع الاحزاب اللبنانية الفاعلة عبر ممثلين عنها، بهدف تبادل الآراء حول الملفات والمسائل الهامة، لتقريب وجهات النظر والتقارب السياسي بحسب ما نقل بعض المدعوين الذين سألوا عن فحوى هذه الدعوة.
الى هنا، الدعوة عادية وهدفها ايجابي، وليس فيها اي شيء يدعو الى الخلاف كالعادة بين الافرقاء اللبنانيين، لكن توقيتها فتح شهية البعض للاصطياد في المياه العكرة، مع محاولة لتكبير مساحة الدعوة نحو ” شطحات ” ومسافات سياسية بعيدة، لا يمكن ان يتلقفها ممثلو الاحزاب الذين سيشاركون في العشاء، اذ كان من الاجدى ان تتم دعوة رؤساء الاحزاب اذا كان الهدف من هذا العشاء فتح قنوات واسعة الاتجاهات، اي طاولة حوار لبنانية في جنيف الشهر المقبل، على غرار ما جرى قبل ذلك، ومنها مؤتمر جنيف ومؤتمر لوزان.
الى ذلك وعلى خط آخر، ثمة مَن يقول انّ الهدف كان جسّ نبض ممثلي الاحزاب عبر النقاشات التي ستطرح ضمن الملفات الدسمة، ومحاولة معرفة نيات كل حزب من الاستحقاقات الهامة وخصوصاً الرئاسية، قبل الفراغ الرئاسي المنتظر، على ان يجري البحث في الحلول وكما جرت العادة خارج لبنان، وفي دول مسالمة كسويسرا او فرنسا، علماً انّ باريس سبق ان دعت الى مؤتمر وطني يجمع المتناحرين اللبنانيين، لإيجاد حلول بما يشبه تسوية من تحت الطاولة لانتخاب رئيس، وألمحت الى ان ليس من الضروري ان تعقد هذه الطاولة في باريس، بل في اي عاصمة اوروبية، والخيار اتجه نحو جنيف، لذا اتى العشاء في محله ليوصل لاحقاً الى حوار، لكن البعض حاول إستثمار ذلك تبعاً لمصالحه وللقول انّ الهدف اتفاق الطائف، فاتت الردود على الفور من خلال إنسحاب البعض من العشاء، كيلا تفهم الامور خطاً، فسارع الى حرق الطبخات التي كانت معدّة، فكان الحل بتأجيل العشاء بعد إصدار السفارة السويسرية في لبنان بياناً، أكدت فيه أنّ سويسرا تعمل بنشاطٍ في لبنان منذ سنوات في مجال منع نشوب النزاعات وتعزيز السلام، وخلال الشهرين الماضيين وبالتعاون مع منظمة مركز الحوار الانساني التي تتخذ سويسرا مقراً لها، تواصلت مع جميع الجهات الفاعلة السياسية اللبنانية والاقليمية والدولية للتحضير لمناقشات تشاورية وليس مؤتمر حوار.
هذا البيان كان الحل الافضل وسط كل هذه التناحرات، لكن الخبايا تشير الى انّ المساعي ما زالت قائمة لعقد طاولة حوار بعد اشهر، وليس في تشرين الثاني المقبل في جنيف، لانّ التحضير له يستلزم مدة طويلة وليس اسابيع كما اعتبر البعض، مع استبعاد المسّ بإتفاق الطائف اقله في الوقت الراهن، خصوصاً مع صدور بيان نيويورك الثلاثي عن الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية، والذي اكد من جديد تأمينه الغطاء العربي والدولي للاتفاق المذكور.
وفي هذا السياق، كانت لافتة تغريدة السفير السعودي في لبنان وليد بخاري، التي إعتبر فيها بأنّ وثيقة الوفاق الوطني عقد مُلزم لإرساء ركائز الكيان اللبناني التعدّدي، والبديل عنها لن يكون ميثاقًاً آخر، بل انفكاكاً لعقد العيش المشترك، وزوال الوطن الموحَّد واستبدالهُ بكيانات لا تُشبه لبنان الرسالة”، كما رأت ” القوات اللبنانية” في بيان عبر الدائرة الاعلامية بأنّ البلاد بحاجة الى انتخابات رئاسية، تعيد الاعتبار لدور المؤسسات الدستورية تحت سقف الدستور، وتعيد تصحيح الانقلاب على اتفاق الطائف، وليس الى حوارات عقيمة لا تؤدي الى أي نتيجة.
وعلى خط كتلة النواب ” التغييريين”، فقد ساهم العشاء المذكور في تفاقم خلافاتهم، بعد تأكيد النائب ابراهيم منيمنة مشاركته فيه، فاعترض عدد من اعضاء الكتلة على هذه المشاركة، رفضاً لما وصفوه بـ ” الحوار في السفارات”، حتى ان بعضهم إتهمه بالتقارب من تحت الطاولة مع حزب الله، وابدوا خوفهم من حوارات متعددة المسارات لا يعرفون الى ما تؤدي.