يبدو الأردن أشبَه بلاعب السيرك، الذي يسير على حبل رفيع في ظلّ التطورات التي تعصف بمنطقة الشرق الأوسط، ونجح إلى حد كبير في ضبط إيقاع تحركاته، بشكل يضمن مصالحه القومية ويراعي في الوقت عينه تحالفاته الإقليمية والدولية. فحتى الساعة لم يخرج أيّ موقف أردني رسمي يعارض عملية «السوخوي» التي بدأتها روسيا في 30 أيلول الماضي في سوريا، والتي جاءت بعد قرابة الشهر على لقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والملك الأردني عبدالله الثاني في 25 آب الماضي في موسكو.
ضمنياً، لن تتردد المملكة الهاشمية التي سبقَ واكتوَت بنيران التنظيمات الإرهابية في مدّ يد التعاون إلى روسيا إذا كانت نيّة الأخيرة فعلاً القضاء على الإرهاب. تعاون لن يرقى الى حد مساعدة روسيا عسكرياً بحكم كون الأردن جزءاً من التحالف الغربي في مواجهة «داعش»، وفق ما يشير نواب أردنيون التقتهم «الجمهورية» على هامش مشاركتهم في مؤتمر السلام الأزرق في جنيف.
ويعتبر النائب جميل نمري أنّ عدم صدور موقف أردني من العملية العسكرية الروسية هو امتداد لموقف الممكلة الهاشمية الحذِر والبراغماتي، لكنّ الشيء الوحيد المحسوم هو مشاركة الأردن «الحازمة ضد الإرهاب».
ويقول نمري: «إنّ الغارات الروسية تمتلك نفس مشروعية الغارات الغربية للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة الإسلامية، على رغم أنّها موجّهة لدعم النظام السوري».
ويذكّر النمري بأنّ الملك عبدالله الثاني خلال زيارته الى روسيا، بحث مع بوتين الدور الروسي ومحوريته في التوصّل الى تسوية سياسية. ويقول: «أُردنياً، هناك اعتقاد أنّ روسيا يجب ان تكون جزءاً من الحل، ويجب عدم عزلها واستثنائها.
روسيا تشعر أنّها مستهدفة، ويكاد النظام السوري ان يكون الحليف الأوحد لها في المنطقة. الدعم الروسي هو امتداد للدعم الإيراني لنظام الاسد، والحل السياسي لا يمكن إنجازه من دون روسيا».
أمّا النائب محمد فلاح العبادي فيرى أنّ الأردن يترقّب الأوضاع من حوله، ويراعي مصالحه الوطنية في ضوء ما يجري من تصاعد للتطورات في الظروف الراهنة، ودخول الروس على خط الأزمة السورية بقوة.
ويقول: «من هذا المنطلق فإنّ الاردن الصديق لدول الخليج والذي يعتمد الى حد ما على المساعدات الخليجية وينسّق مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب، يحاول مسك العصا من الوسط إذا جاز التعبير، حفاظاً على مصالحه الوطنية وعلاقاته العربية والدولية».
ويذكّر بأنّ الأردن هو في تحالف الولايات المتحدة ومن غير المعقول أن يدخل في تحالف مع روسيا، لكنّ ذلك لا يعني أنّ الاردن يقف ضد روسيا طالما الأخيرة عازمة على مواجهة ضد الارهابيّين.
من جهته، يرى النائب سليم بطاينة أنّ الملك عبد الله لديه «رؤية ثاقبة للأمور»، وهو يراعي مصالح الأردن وجميع الأطراف بما فيها السعودية والولايات المتحدة. الجميع «يتفهّم وضع الأردن» لجهة وضعه الاقتصادي وعدم امتلاكه موارد كافية فضلاً عن استقباله العدد الكبير من اللاجئين.
ويقول بطاينة: «الأردن تميّز باتّباع سياسة ترقى الى الحياد ومَسك العصا من الوسط بحكم ظروفه ومراعاة لأمنه»، مُشدداً على أنّ «العلاقة مع الروسي متينة والرئيس بوتين الذي تربطه علاقة شخصية بالملك يتفهّم موقف الاردن».
المعارضة السورية المعتدلة
وعلى رغم الاتهامات الغربية لروسيا بأنّها تركّز في أهدافها على استهداف المعارضة المعتدلة، يشير العبادي، الذي كان ضابطاً في الجيش الأردني منذ عام 1972 الى 2008، إلى أنّه «ليس لدينا اثباتات أنّ روسيا تستهدف المعارضة المعتدلة، من الواضح أنّ غاراتها تتركز في اتجاه «داعش» عدو الاردن الاول. ولكن هذا لا يعني أنّنا لن نتخذ موقفاً اذا تجاوزت روسيا أهدافها المعلنة في مكافحة الإرهاب».
النمري بدوره يرفض اتهام روسيا بمحاولة تعمّد استهداف المعارضة المعتدلة في سوريا، مُذكّراً بأنّ الروس طالبوا بأن يرشدوهم الى مواقع الجيش الحرّ حتى لا يقصفوها.
ويقول: «ضمنياً، باتَ وجود المعارضة المسلحة المعتدلة في سوريا خجول، مشكلة الولايات المتحدة عدم وجود صدقية لعملها العسكري في مواجهة الإرهاب وعدم تحديد المعسكر المستهدف. إذا قلنا «داعش» ماذا عن النصرة والفصائل المتشابهة؟».
ويتابع: «إنّ النصرة، دولياً، مُصنّفة كتنظيم ارهابي، هناك مشكلة يجب التفاهم حولها: هل استهداف قوى مثل النصرة وما يشبهها ليس جزءاً من مكافحة القوى التكفيرية؟ الغرب نفسه لم يحسم الجواب».
ويتابع: «موسكو أوّل من قصفت أحرار الشام الذين بايعوا جبهة النصرة، الجيش الحرّ سيكون له دور في الحل السياسي المقبل، والأردن سيحاول إفهام الروس أنّ عناصر الجيش الحر هم معارضون معتدلون ويجب ان يكونوا شركاء في أي حل مقبل، وان لا ينظر إليهم كإرهابيّين».
ويرى النمري أنّ الانتفاضة الشعبية التي تحوّلت الى صراع طائفي، يستحيل ان تنتهي بغلبة أحد الاطراف. والطرف الاقوى المقابل للنظام السوري باتَ تنظيم داعش وجبهة النصرة. والتدخل الروسي قد يشكّل فرصة إذا أحسن الأطراف التعاون معه والاعتراف بمصالح روسيا في المنطقة، والضغط من أجل تسوية متوازنة تأخذ جميع مصالح الاطراف بالاعتبار.
ويقول: «إنّ الموقف الروسي قد يشكّل عامل ضغط على النظام نفسه وعَقلنة موقفه والتوصل الى حل سياسي يمكن ان يستبعد الأسد في مرحلة ما من مسيرة الحل. لكن في الوقت عينه، قد يدفع التدخّل الروسي الى إطالة أمد الصراع مع احتمالات تقسيم سوريا وتحويلها الى دولة فاشلة مُقسّمة الى مناطق تحكمها الميليشيات».
يتّفق العبادي مع النمري في تحليله للتطورات المرتقبة، ويقول: «قد تساهم الغارات الروسية في فتح نافذة الحل السياسي، إذ ليس من الممكن ان يبقى الوضع على ما هو عليه. واقِعٌ قد يدفع الجانبان الروسي والأميركي الى البحث عن مخرج للأزمة السورية. وفي حال عدم وجود مخرج، سيؤدي ذلك الى تصاعد وتيرة العمليات العسكرية وربما استخدام القوة المفرطة من قبل الروس».
وبخلاف العبادي الذي كان قد رفض مبدأ المنطقة العازلة، يرى النائب بطاينة أنّه من مصلحة الأردن أن يكون هناك منطقة عازلة في جنوب سوريا
وان يستقر فيها اللاجئون السوريون لعدم قدرة المملكة الهاشمية على تحمّل المزيد من الضغط على مواردها الاقتصادية والمائية على وجه التحديد، مُتوقعاً أن يكون للأردن دور كبير في جنوب سوريا.
في المقابل، يرى النائب النمري أنّ طريق الانفتاح على العشائر والمجتمع السني الذي سلكه الاردن بهدف إبعاده عن التنظيمات المتطرفة نجح بصورة محددة في جنوب سوريا فقط، لذا بقي الجنوب السوري لدرجة معينة بعيداً عن الجماعات الإرهابية».
المحاور الدولية
توازياً، يستبعد النمري انضمام الأردن الى مركز التنسيق وتبادل المعلومات الاستخباراتية الذي أقامته موسكو ودمشق وطهران والعراق في بغداد. ويقول: «هذا المركز هو لمحور مُحدد أُطلق عليه من قبل الملك عبدالله تسمية الهلال الشيعي… الاردن لا يعتبر صديقاً لهذا المحور على الاطلاق، ولكن في الوقت نفسه لا يقرّ انّ تأجيج الصراع مع هذا المحور يُفيد الإقليم».
بطاينة يذهب أبعد من النمري بالتشديد على استحالة انضمام بلاده إلى مكتب التنسيق في بغداد، على رغم التحليلات التي تشير إلى إمكان تحقيق تعاون أردني – مصري جدي مع الروس في هذا الموضوع.
ويقول بطانية: «إنّ وضع مصر التي تعاني التطرّف الاسلامي مختلف. الإخوان في الأردن هم جزء من النسيج الاجتماعي ويشاركون في العملية السياسية بخلاف ما هو عليه الوضع في مصر. ونتمنى من خلال قانون الانتخاب الجديد أن يشاركوا بشكل أوسع وأفعل».
وبخلاف النمري وبطاينة، يرى العبادي أنّ هناك حظوظاً كبيرةً للانضمام الى مركز التنسيق السوري- الروسي- العراقي الإيراني، خصوصاً إذا انضمّت مصر الحليف الأكبر للاردن في مواجهة الارهاب. ولا يستبعد انخراط الاردن بشكل فعّال في هذه الجهود لمكافحة إرهاب داعش وأخواتها.
وفي النهاية، سواء انضمّ الأردن أم لا الى مركز التنسيق في بغداد، فهو لن يتردد في مَد يد التعاون إلى أي دولة سوف تساعده على إنهاء ظاهرة زعيم «داعش» أبو بكر البغدادي، الذي ارتكب في حق الاردن خطيئة لن تجعل المملكة تستكين قبل ان تثأر لطيّارها الشاب معاذ الكساسبة الذي أعدمه «داعش» بأبشع أسلوب.
وفي هذا السياق، ليس مستبعداً أن يتلقّف الملك عبدالله دعوة الرئيس الروسي للتعاون معه في مجال القضاء على الإرهاب، وسط تململ من عدم جدية واشنطن في مواجهة «داعش».