بعد يومين من بداية العمليات العسكرية الروسية في سوريا، تعمّد فلاديمير بوتين الكشف عن جدول زمني محدد لهذا التدخل، عندما قال ان العملية العسكرية يفترض أن تنتهي مع بداية السنة المقبلة أي أن تستمر أربعة أشهر.
هل هذا يعني ان بوتين يتوهّم أنه سيتمكن في أربعة أشهر، من أن يحسم المعركة المحتدمة منذ أربعة أعوام ونيف، والتي خسر فيها حليفه بشار الأسد ٨٠٪ من مساحة سوريا على رغم الدعم الروسي والقتال الميداني الى جانبه من حلفائه الايرانيين؟
قطعاً لا، ليست هذه حسابات بوتين الذي يدرك جيداً منذ البداية، ان تدخله المباشر في سوريا يمكن ان يتحول نزفاً عسكرياً ودموياً لا طاقة لروسيا على تحمّله فترة طويلة، لا من الناحية العسكرية ولا من الناحية الاقتصادية ولا من الناحية السياسية الأخلاقية في بلد يسبح في الدماء!
وسط هذه الحسابات، هل كان من الضروري استعجال تنظيم رحلة جيمسبوندية في طائرة عسكرية روسية لبشار الأسد الى موسكو، حتى قبل ان يؤدي القصف الروسي الى نتائج ثابتة لمصلحة النظام، وماذا يمكن ان يقدم الأسد في موسكو ما لا يقدمه من معاقله المحاصرة في سوريا كما قال بوتين شخصياً؟
ليس خافياً ان بوتين استعجل دعوة الأسد الى موسكو، لأنه يريد ان يستعجل تحريك الحل السياسي الذي يراوح منذ ٣٠ حزيران ٢٠١٢ عند عقدة واحدة، هي كيفية الاتفاق على روزنامة تحدد مراحل عملية الانتقال السياسي وموقع الأسد فيها وبعدها. صحيح ان التصريحات الروسية توحي بالتمسك ببقائه، لكن بوتين المتفق بالضرورة والتأكيد مع الأميركيين على تدخله العسكري، لا يريد ان يظهر فوراً في موقع من يتولى مهمة اخراج الأسد!
لكن بوتين وقد اختار توقيتاً بارعاً للدخول في المستنقع السوري، أولاً في ظل انشغالات الدول الاقليمية التي تدعم المعارضة، وثانياً مع الرغبة الأميركية في عدم الانجرار الى المستنقع السوري، وهو ما يلائم سعيه لاعادة روسيا لاعباً فاعلاً الى المسرح الدولي عبر عرض القوة في اوكرانيا ثم في سوريا، فمن الواضح انه يحرص على اختيار خروج بارع من هذا المستنقع عبر توليه هندسة عملية الانتقال السياسي ان من حيث المضمون أم من حيث الشكل والروزنامة الزمنية لرحيل الأسد!
دعونا من كل التصريحات والمماحكات فهذه من عدة الشغل السياسي ومن مستلزمات دخان التعمية الضروري لانضاج المواقف، فبعد مؤتمر موسكو قنّن بوتين شحنات السلاح للأسد فتراجع ميدانياً وصار أكثر قبولاً لشروط الانتقال السياسي، والقصف الآن على المعارضة يتم للهدف عينه، ولم يكن عادل الجبير ليقول ان الحل آخذ في الاقتراب لو لم تكن ترتيبات العملية الانتقالية آخذة في التقدم والأسد منهمك بحزم حقائبه!