أكثر من 2250 مليون دولار أميركي من المال العام تقاضتها شركة «سوكلين» (وشقيقتها «سوكومي») على مدى عشرين عاما. الأرباح الخيالية التي حققتها الشركة لقاء أعمال لم تُنجز الكثير منها، زادت بفعل استغلال نحو 3 آلاف عامل لديها، منهم الفا عامل اجنبي يفتقدون أدنى اشكال الحماية. هذه الشركة أُخرجت من ادارة النفايات المنزلية عبر المناقصات الاخيرة، فسارعت الى الاقتصاص من عمّالها عبر التلويح بانهاء عقود عملهم من دون تعويضات، وهو ما دفع هؤلاء العمال الى الاضراب من اجل انتزاع حقوقهم. المفاوضات اسفرت، أول من أمس، عن تعليق الاضراب بعد حصول العمال «اللبنانيين» على وعد بتسديد تعويض شهر عن كل سنة خدمة وشهرين إنذار. هذا الوعد لا يشمل حقوق العمال الاجانب، كما لم يشمل ديمومة العمل
استأنف عُمّال شركتي “سوكلين” و”سوكومي”، يوم السبت الماضي، أعمالهم في جمع وكنس ونقل نفايات العاصمة والمناطق المشمولة في العقد الموّقع بين الشركتين ومجلس الإنماء والإعمار.
بحسب رئيس لجنة ممثلي موظفي وعمّال “سوكلين” طلال حمدان، فإن العمال قرّروا تسيير 12 شاحنة لنقل نفايات بيروت، ليل الجمعة “بعدما تأزّم الوضع في العاصمة”، مُشيرا الى أن خطوتهم كانت بمثابة “بادرة حُسن نيّة تسبق مرحلة المُفاوضات”.
وكان العمال قد أعلنوا، ليل الأربعاء الماضي، إضرابهم وامتنعوا يومي الخميس والجمعة عن مزاولة أعمالهم، ما أدّى الى تراكم نحو خمسة آلاف طن (كانت “سوكلين” تجمع يوميا نحو 2700 طن) في الشوارع وعلى جوانب الطرقات وبين البيوت، قبل أن يستأنف العمال أعمالهم صباح السبت، بالتزامن مع “انطلاق” المُفاوضات.
شهر عن كل سنة خدمة وشهران إنذار
بدأت المُفاوضات، صباح السبت، حيث عُقد اجتماع بين لجنة ممثلي العمال برئاسة حمدان من جهة ولجنة ممثلي إدارة الشركتين برئاسة محمد علي حديب. هذا الإجتماع كان بـ “رعاية” وزارة العمل عبر مندوب يُمثلها والمكتب العمالي لـ “حركة أمل” وبالتنسيق مع مُستشار رئيس مجلس النواب نبيه برّي، علي حمدان.
أفضت المُفاوضات، وفق لجنة ممثلي الموظفين، الى إعطاء العمال تعويض شهر عن كل سنة خدمة فضلا عن إعطائهم شهرين إنذار. ماذا عن تعويضات العمّال الذين أُصيبوا خلال عمهلم باضرار دائمة، وبالتالي يحتاجون الى تعويضات إضافية؟ هنا يقول حمدان إن الملفات الطبية لهؤلاء العمّال موجودة و”سيجري البحث بالحلول الطبية في جلسات المُفاوضات المُقبلة”.
ومن المتوقع، أن يجتمع خلال اليومين المُقبلين وزير العمل سجعان قزي مع لجنة “مُصغّرة” عن لجنة ممثلي الموظفين للبحث في كيفية دفع التعويضات، والأهم، من أجل مناقشة البند المُتعلّق باستمرارية عمل العمّال والموظفين.
وبحسب الإتفاق الأولي، فإن المرحلة المُقبلة سيكون محورها هذا البند الذي يُمثّل “المطلب الأساسي” للعمّال، على حد تعبير حمدان، الذي يُشير الى أن هناك وعوداً تُفضي الى انتقال عدد كبير من الموظفين والعمال الى المُتعهّد الجديد، “ومن يُريد الانتقال الى المتعهد الجديد لن يحظى تعويضات لكنه سيلقى ضمانات من وزارة العمل تحميه من إمكانية صرفه تعسفيا من قبل المتعهّد الجديد، او أي صيغة أخرى يتوصل اليها اجتماعنا مع الوزير قزّي، أما من لا يُريد الإنتقال الى العمل مع المُتعهّد الجديد، فيحظى بالتعويضات المذكورة أعلاه”.
الجدير ذكره، أن العمّال كانوا قد رفضوا ان تُفاوض وزارة العمل باسمهم، “ما جرى هو اجتماع عُقد بالتنسيق معهم”، وفق ما تقول لجنة الموظفين. أمّا السبب فهو القناعة الراسخة بأن “قانون العمل في الأصل غير منصف للأجراء، باعتراف الوزراء المتعاقبين على الوزارة أنفسهم”، وفق ما يقول حمدان.
من جهته يقول المكتب الإعلامي لـشركتي “سوكلين” و”سوكومي”، أن الشركتين تُقدّران تفهّم العمال واقتناعهم بضرورة تسيير هذا المرفق العام، مُشيرا الى أنها “قدّمت التطمينات اللازمة بإعطاء كافة التعويضات والمُستحقات المالية للعمّال”. ويُضيف المكتب أن الشركتين ستسعيان الى استكمال التواصل مع الجهات المعنية من أجل ضمان استمرار عمل العمّال.
ضرب مطلب استمرارية العمل؟
فعليا، لا يبدو أن العمال سيعودون الى خيار الإعتصام او الإضراب “طالما أن الضمانات المالية حصلنا عليها”، وفق ما يقول حمدان. ماذا عن مطلب ضمان استمرارية العمل؟ يرى حمدان ان مسألة ديمومة العمل باتت شائكة في ظل اختلاف مصالح العمال في مسألة انتقالهم الى المتعهد الجديد، “الموظف ذو الـ62 عاما لن يفضل الانتقال الى المتعهد الجديد على حصوله على تعويضاته، فيما الموظف الجديد الذي لم يمر على توظيفه في الشركة أكثر من 9 أشهر لن تفيه التعويضات المالية حقه وسيُفضّل الانتقال الى المتعهّد الجديد”. ما العمل إذا؟ ستسعى اللجنة حاليا الى الحصول على ضمانات من وزير العمل، بحيث يُحفظ الحق الإختياري للعامل وإذا ما رغب في استكمال العمل ضمن ضمانات او يحصل على تعويضه المالي.
هذا الأمر يعني عمليا، أن العمّال لم ينتزعوا من إضرابهم الا “وعود بتعويضات مالية”، من دون ان تتّضح ملامح مصير الكثير من العمال الساعين الى ضمان استمرارية عملهم، فضلا عن مصير العمال المُصابين الذين يحتاجون الى تعويضات أكثر من غيرهم. أما مصير نحو ألفي عامل أجنبي، فيجري تجاهله من قبل إدارة الشركتين، إذ تسري المُفاوضات على العمال اللبنانيين وبعض العمال الفلسطينيين (عددهم قليل جدا) فقط.
أكلاف ضخمة لم تلحظ خطة لحفظ حقوق العمال
الشركة التي تقاضت مبالغ خيالية، لم تضع خطة تحفظ حقوق موظفيها وعامليها وأجرائها، والبالغ عددهم نحو 3 آلاف عامل.
على مدى عشرين عاما، تقاضت الشركة نحو 2256.5 مليون دولار، لقاء أعمال لم تُنجز الكثير منها. مثلا تقاضت الشركة على مدى السنوات الماضية، نحو 700 مليون دولار لقاء أعمال المُعالجة، فيما كانت تلجأ الى طمر نحو 80% من حجم النفايات (باعتراف الشركة نفسها)، علما ان الشركة كانت تتقاضى نحو 700 مليون دولار أيضا لقاء أعمال الطمر. بمعنى آخر، الشركة كانت تتقاضى لقاء أعمال الطمر مرتين!
فضلا عن أن أسعار المُناقصات الجديدة البديلة “فضحت” خيالية الأرقام التي كانت تتقاضاها الشركة. مثلا في ما خص الفرز والمعالجة، تُشير أرقام “مجلس الإنماء والإعمار” الى أن الشركة الفائزة في المناقصة (شركة الجهاد للتجارة والمقاولات) قدّمت أسعارا أقل من الاسعار التي كانت تُقدّمها “سوكلين” بنحو مرتين ونصف مرة. كذلك أسعار مناقصتي تلزيم أعمال الكنس والجمع في كل من مناطق المتن وكسروان ومناطق الشوف وعاليه وبعبدا. هذه الأسعار كانت بمثابة “نصف الأسعار التي كانت تُقدّمها سوكلين”، على حدّ تعبير مصادر “الإنماء والإعمار”.
عندما سُئل المكتب الإعلامي لشركتي “سوكلين” و”سوكومي” عن سبب عدم إبلاغ العمال بانتهاء العقود وبالتالي إعلامهم مُسبقا بانتهاء خدمتهم، أشار المكتب الإعلامي الى أن ملف “التسليم والتسلّم المتعلق بالموارد البشرية” لم تتضح آليته بعد (http://www.al-akhbar.com/node/266769). ربّما لأن الشركتين بقيتا تُراهنان، حتى اللحظة الأخيرة على تمديد عقودهما أسوة بما كان يحصل منذ الـ 2004. في حديث سابق لـ “الأخبار”، قال أحد الموظفين إنه عندما كانوا يسألون الإدارة عن مصيرهم مؤخرا، كان أحد المُديرين يقول لهم: “إن عقودنا تُمّدد من الـ 2004، فلماذا الخوف على عملكم؟”. بعد هذا الحديث، تحوّل تخوّف العمال من فقدان عملهم الى واقع بسبب فشل رهانات الشركة التي يبدو أنها، لا تريد أن تدفع ثمن خروجها من إدارة النفايات.