لم يعهد عن النظام الإيراني ترويجه لقياداته العسكرية والأمنية، رغم كثرة الحروب التي انخرط فيها على مدى ثلاثة عقود، وهذا ما يجعل الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس، في الحرس الثوري، حالة لافتة، نظرا للظهور الإعلامي الخارج عن المألوف، ويسمح به في الوسائل الرسمية الإيرانية، والأخرى العربية المحسوبة على طهران.
ومن الواضح أن أهمية الجنرال أبعد من مركزه كقائد لفيلق، حيث يقود حروب إيران الخارجية، السياسية والعسكرية.
قد يكون بروزه نتيجة طبيعية لتزايد اعتماد إيران على قوتها العسكرية، بعد أن كانت تتكل بشكل أكبر على دعم وكلائها المحليين، مثل حزب الله وحماس والميليشيات الشيعية العراقية. فقد عُهد إليه بدور كبير في سوريا، وليس مبالغة ما قيل من أنه «لولا النجدة الإيرانية لسقط النظام السوري»، ويقول الأميركيون «إنه من يقود الحرب في سوريا». فقد كان نظام بشار الأسد، بالفعل، يترنح منذ عامين، وحوصرت قواته في كل مكان، ثم عادت إليها الحياة في أعقاب تولي الإيرانيين الكثير من المهام القيادية، وقيامهم بجلب وتمويل وإدارة عشرات الآلاف من لبنانيي حزب الله، وعراقيي «عصائب الحق»، ومن شيعة الأفغان.
هذا السيناريو السوري الذي يقوده سليماني يتكرر في العراق، ونسب لرئيس منظمة بدر العراقية، هادي العامري، قوله، «لولا مساندة إيران، ووجود قاسم سليماني في العراق، لكانت حكومة حيدر العبادي الآن خارج العراق». وهناك أنباء أن الجنرال موجود مع قواته، وبعدد أقل، في اليمن في صف المتمردين الحوثيين.
قائد القوات الأميركية سابقا في العراق، الجنرال ديفيد بترايوس، تحدث عن سليماني، أنه في عام 2008، وصلته منه رسالة صريحة، بأنه المعني بشأن العراق. وهذا يفسر لنا سياسة إيران، بأنها تعتمد على جنرالها في إدارة مناطق النزاع، مثل العراق وسوريا واليمن، بما في ذلك النشاط السياسي، كتفضيل أحزاب على أخرى، وتأمين النتائج، والقرارات السياسية، لصالح إيران أو من في صفها.
خلال العام الماضي صار واضحا أن القيادة الإيرانية تتبنى سياسة هجومية شرسة، أتوقع أن حدودها أبعد من حدود الخريطة التي تتحرك عليها الآن. وهي تبرز قياداتها الأمنية والعسكرية، كصناعة أبطال يمثلونها في الصورة الذهنية عند الشعب الإيراني، والمتحالفين معه، بتلميع شخصية قيادية عسكرية مثل سليماني. هذا الأسلوب كان يستخدم أكثر في الحروب الكبيرة، فمن بين نجوم الحرب العالمية الثانية جنرالات، يوازنون في أهميتهم الزعماء السياسيين، مثل البريطاني مونتغمري، والألماني رومل، والأميركي باتون. ولا شك أن الجنرال سليماني صار أشهر الإيرانيين على مسرح الحروب الإقليمية. وقد خصصت له مجلة «نيويوركر» قبل سنتين ملفا مهما عن شخصيته، على أنه من يدير حروب إيران الخارجية. ورغم أنه من المحظورين على قائمة وزارة الخزانة الأميركية، فإن ذلك لم يمنع من ظهوره على الإعلام، في تأكيد على أن السياسة الإيرانية صارت أكثر وضوحا مِمّا كانت تفعل في السابق، حيث لم يكن يسمح لكبار الشخصيات أن يكونوا جزءا من المعارك السياسية والعسكرية الخارجية.
منطقتنا أصبحت مليئة بجنرالات الحرب، هم الذين يقررون مصيرها أكثر من السياسيين، مع تعدد الجبهات وتعقد الأوضاع. والسؤال المتكرر: كيف للحرب أن تنتهي؟
أستعير ما قاله الجنرال بترايوس: «أجل، حاجي قاسم، صديقنا القديم. تدور الكثير من الأفكار برأسي حينما أشاهد صوره.. ما أود قوله هو أنه يقوم بدوره بمنتهى الفعالية، لكنها لعبة طويلة بالفعل، لذا، دعونا نرى ما تتمخض عنه الأحداث».ش