Site icon IMLebanon

سليمان فرنجيّة أو المجهول!

عندما عاد الرئيس تمّام سلام من نيويورك بعد اجتماع الجمعيّة العامّة للأمم المتحدة، قال للبنانيين إن لبنان ليس في اهتمامات الدول الكبرى، ثمّ هبطت علينا مفاجأة «التسوية» بصيغة مبادرة من الرئيس سعد الحريري، ثمّ فجأة بات الحديث عن اتفاق دولي له رعاة كثيرون يسعى لفرض «التسوية» تحصيناً للبنان من نيران المنطقة، فاحتار اللبنانيّون، «منين» لا تهتمّ الدول الكبرى لأمرنا و»منين» هم الرّعاة لـ»التسوية» التي ستتسبّب في انقسام إضافي في المشهد اللبناني!!

يعيش اللبنانيّون على إيقاعِ تدفّق الأخبار عليهم ساعة بساعة، وكل خبرٍ يمحو الذي قبله، فلم نكد نستقرّ ليلة الأمس على إيقاع تصريح السفير السعودي علي عوّاض عسيري وحديثه عن الرأي المسيحي الحاسم في موضوع تسمية رئيس الجمهوريّة، وزيارة الوزير نهاد المشنوق إلى معراب واجتماع الساعتيْن الذي بعث الطمأنينة في شرايين الحلف القوّاتي ـ المستقبلي، وجعل كثيرون يظنّون أنّ «التسوية» الغامضة انقطع مسارها، حتى أطلّ صباح اليوم ليحمل معه موقفاً بدا فيه السفير السعودي وكأنّه يُخفّف من وطأة تصريحه الأوّل موضحاً أنّ كلامه دعوة للحوار بين الأطراف السياسية، وخاصّة بين القيادات المسيحية وبناءَ عليه اعتبر كثيرون هذا التوضيح خطوة إلى الوراء في مشهديّة «التسويَة»!!

بالأمس قرّر أيضاً النائب وليد جنبلاط أن يلعب دور المبعوث الأميركي ريتشارد مورفي عام 1988 والذي تذكره منذ يومين في تغريدة «تويتريّة» باعتبار أنّنا «لا نتعلّم من الماضي»، فقال للبنانيين على لسان الوزير وائل أبو فاعور «يخشى وليد جنبلاط، اذا لم تسر هذه التسوية ندخل في المجهول الدستوري والسياسي أو الأمني» وبالرّغم من القول إنّ هذا الكلام ليس من باب التهويل، إلا أنّه «تهويلٌ ونصّ»!!

آخر مشاهد اليوم اللبناني الأمس، قبيل كتابة هذا المقال، كانت عشاء «البيْكيْن» وليد جنبلاط وسليمان فرنجيّة «العائلي» في دارة الأوّل في كليمنصو بعدما تفاخر جنبلاط نهاراً بأنّه أوّل من رشّح سليمان فرنجيّة ساحباً بساط الفكرة «المبادرة» من الرئيس سعد الحريري، ومن على باب جنبلاط تحدّث فرنجية الذي بدا متمسّكاَ بالرئاسة أكثر من النائب ميشال عون مرشّح حزب الله حتى السّاعة، مذكّراً الرئيس الحريري بأنّه ينتظر «الترشيح الرّسمي»، وهذا أمرٌ بحسب ما يتمّ تناقله مطلب أمين عام حزب الله حسن نصرالله، فيما الرئيس سعد الحريري يُفضّل أن تُرشّح 14 آذار سليمان فرنجيّة للرئاسة، وهذا أمرٌ نستطيع تصنيفه بأنّه من المستحيلات!!

هذا الإرتباك الشديد في مشهد التسوية أكدته بالأمس التصريحات والتسريبات، ففيما أكّد الوزير نهاد المشنوق أنّ التسوية لن تتمّ خلال أيام بل هي تحتاج إلى وقت سيستغرق أسابيع، جاء كلامُ «مصادر سياسية» مجهولة عاملة على خط التسوية الداخلية ليعلّق آمالاً على ما أسماه «مواقف سيعلنها الحريري أثر اجتماعه اليوم بالرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند في قصرالاليزيه، وأنّ هذه المواقف ستكون «على جانب من الاهمية في ما يتصل بالملف الرئاسي»، فهل سيُعلن الرئيس سعد الحريري ترشيحه منفرداً ومن دون حلفائه النائب سليمان فرنجية مرشح تسوية للرئاسة؟!

نميل إلى الظنّ أن هذه التسريبات هي مجرّد أمنيات لا أكثر، فباب قصر الاليزيه ليس المكان المناسب للإعلان عن «شأن لبناني داخلي» إلا إذا كان «الأخ» فرنسوا هولاند، هو»الراعي» الحقيقي و»الدافع» إلى هذه التسوية!!

روح ريتشارد مورفي تحوم فوق لبنان، وهو الذي وضع لبنان واللبنانيين أمام المعادلة الشهيرة «مخايل الضاهر أو الفوضى»، وهذه المعادلة التي وضعنا أمامها بالأمس وليد «سليمان فرنجيّة أو المجهول»، من دون أن يتنبّه مورفي عام 1988 ولا وريثه جنبلاط عام 2015 إلى تلك المعادلة الشهيرة التي اختصر بها عاصي الرحباني لبنان في حرب السنتيْن «لبنان الكرامة والشعب العنيد»!! ربما المشكلة في هذه التسوية أنّها غامضة ويعمل الجميع الآن على محاولات تبرير ضرورتها لإقناع أكثر من نصف الشعب اللبناني بأنّها خيار صائب!!

وسط هذه التسوية العاصفة يعود اليوم بطريرك لبنان من زيارة رعويّة إلى المكسيك وألمانيا منشغلاً بعنوان مسيحيي الشرق الأوسط، فيما مسيحيّو لبنان أصل ومكان «كرّسيّه البطريركي» في خطر محدقٍ وداعم، ولا يستبعد البعض أن يوجه الراعي الدعوة للقادة المسيحيين الاربعة للاجتماع في بكركي اذا ما توافرت ظروف اجتماعهم وتوافرت الرعاية الدولية للتسوية، وهنا علينا نعود إلى روح ريتشارد مورفي التي تحوم كثيراً فوق لبنان، في مطلع حزيران العام 2014 فقد وصفنا مورفي بأنّنا «جيّدون في إلقاء المسؤولية على الآخرين ولديكم نظرية المؤامرة والصفقات التي تحبونها»، وحمَّل مورفي «الموارنة في شكل خاصّ المسؤولية عن عدم انتخاب رئيس وفي رأيه أنه «لو اجتمع الموارنة واتفقوا على مرشّح معيّن ودعموه جميعاً فسيكون ذلك أمراً جيداً للجميع».

هذا رأي ريتشارد مورفي الذي أصابه فشله في فرض تسوية العام 1988 على لبنان بعقدة لبنانيّة على الأرجح، قد يظنّ وليد جنبلاط أنّ باستطاعته لعب هذا الدّور، ولكن عليه أن يتوقّع أنّ حظّه من تسوية سليمان فرنجية لن يكون بأفضل من حظّ مورفي في تسوية مخايل الضاهر أو الفوضى!!