Site icon IMLebanon

سليمان فرنجية… الخط والخط الآخر

 

يقترب سليمان فرنجية من الرئاسة ولكنه لا يغرق في الأحلام. يبقى في الإجمال مقارباً للواقع ويتحدث عن الظرف. يختصر الموضوع بأنه يصبح رئيسا عندما يصبح الظرف ملائماً له. بتعبير آخر يمكنه أن يصبح رئيساً مثلا إذا انتصر «الخط» الذي ينادي دائما بأنه في قلبه وأمين له ولا يخرج عنه.

 

خط رئيس تيار المردة سليمان فرنجية معروف. الكلمة صارت تختصر واقعه إلى الحد الذي جعل نفسه أسيرها. يحاول أن يرسم لنفسه أبعاداً أخرى ولكنه دائما يعود إلى هذا «الخط».

 

سليمان فرنجية الجد

 

«الخط» الذي يتحدث عنه النائب والوزير السابق لا يخفى على أحد. العلاقة مع النظام السوري برئيسه بشار الأسد. يعتبر أنه ورث هذه الورثة عن جده الرئيس الأسبق للجمهورية سليمان فرنجية. وعلى أساس أنه اختار الخط العربي وآمن به ولن يخرج منه. ولكن هذا الخط العربي يحتاج إلى تحديد وترسيم. إنه يعني في الإجمال الخط الذي يمثله النظام السوري.

 

عاش سليمان فرنجية في كنف جده الرئيس حتى وفاة الأخير في 23 تموز 1992. ولكن الجد لم يكن ابن هذا «الخط». عندما أصبح رئيساً للجمهورية في أيلول 1970 لم يكن في هذا «الخط». تحالف مع أركان الحلف الثلاثي، مع كميل شمعون وبيار الجميل وريمون أده، ضد النهج الشهابي حتى تمكن من الفوز ولم يكن يملك أي كتلة نيابية. وقتها كان خط الشهابية على علاقة مع وجه العروبة المثير للجدل والمشالكل الرئيس المصري جمال عبد الناصر وكان رئيس النظام السوري حافظ الأسد بدأ يمسك بسلطة القرار في سوريا حتى أصبح رئيسا بصورة رسمية في آذار 1971. بعد خمسة أيام على دخول الرئيس فرنجية قصر بعبدا توفي الرئيس المصري لينتقل بعدها التدخل في لبنان إلى النظام السوري الجديد.

 

في أيار من العام 1973 عندما اندلعت الإشتباكات بين الجيش اللبناني والمسلحين الفلسطينيين وبعدما قيل أن رئيس الجمهورية أعطى امراً للطيران الحربي بالتدخل، تدخل النظام السوري ليوقف الحرب. وقتها أيقن فرنجية أن دور الجيش تعطل وأن على المسيحيين أن يستعدوا للدفاع عن أنفسهم وأوعز إلى الرئيس كميل شمعون والشيخ بيار الجميل بالتسلح. وقتها لم يكن في «الخط» بل في الخط الآخر الذي صار خط الجبهة اللبنانية والدفاع عن الكيان اللبناني والهوية اللبنانية.

 

في تلك المرحلة تسنى للمطران نصرالله صفير كممثل عن البطريرك مار أنطونيوس بطرس خريش أن يحضر اجتماعات الجبهة اللبنانية التي كان يحضرها الرئيس فرنجية في القصر الجمهوري أو خارجه بعدما أجبر على الخروج منه تحت القصف الآتي من الجهة التي كانت تمثل هذا «الخط» الذي يحكي عنه الوزير فرنجية دائماً. وتسنى للمطران صفير أيضا أن يلتقي الرئيس فرنجية وحده موفداً من البطريرك. وفي مذكراته المدوَّنة بخط يده ينقل محاضر تلك الإجتماعات، ولعلها المحاضر الوحيدة المدوّنة عنها وينقل فيها ما كان يقوله الرئيس فرنجية عن الخطر الذي يتهدد المسيحيين في لبنان وماذا كان يقول عن شركائهم في الوطن. كل ذلك كان قبل التحول الكبير الذي حصل في العام 1978 بعد حوادث إهدن ورسم خط فاصل بين الماضي والخط الذي كان يمثله وبين ما سيأتي والخط الجديد الذي لا يتخلى الوزير فرنجية عن الحديث عنه وإن كان في المراحل الأخيرة يحاول أن يفتح خطوطاً موازية له، وهي محاولات تحتاج إلى جرأة أكبر في مقاربة التغييرات الحاصلة في لبنان على صعيد العلاقات السياسية والخطر الكبير الذي يهدد الكيان اللبناني اليوم وهو أكبر بكثير مما كان في بداية السبعينات.

 

الدور السياسي منذ 1991

 

هذه المحاولات تستكمل مسيرة الوزير سليمان فرنجية السياسية منذ بدأ شخصياً وراثة الدور بتعيينه نائباً عن مقعد زغرتا في العام 1991 محل والده. منذ ذلك العام لم يخرج فرنجية من اللعبة السياسية ولا خرج عن «الخط». من الطبيعي أنه صار أحد أعمدة الحكم التي ارتكز عليها عهد الوصاية السورية على لبنان منذ الإنقلاب على الطائف الذي بدأ باغتيال الرئيس المنتخب رينيه معوض وانتخاب النائب الياس الهراوي خلفا له. ومنذ العام 1991 سيكون وزيراً ثابتا منذ شكل الرئيس عمر كرامي حكومته الأولى وسمى فيها رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع قبل أن يعتذر الأخير. ومنذ ذلك العام أيضا سيكون فرنجية أحد أقطاب هذا الخط في المجلس النيابي في انتخابات الأعوام 1992 و1996 و2000 قبل أن يخرج للمرة الأولى في العام 2005 بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

 

بين فرنجية والتيار

 

على رغم التحولات التي حصلت على مستوى الشارع المسيحي ومحاولات القضاء على الأحزاب والشخصيات التي كانت تمثله حقاً، وعلى رغم اعتقال الدكتور سمير جعجع ونفي العماد ميشال عون، لم يستطع فرنجية أن يتمدد خارج إطار زغرتا. كان يمثل الشخصية الأقوى بالنسبة إلى النظام السوري ولكنه لم يصبح الشخصية الأقوى بالنسبة إلى التمثيل المسيحي. انخرط في لعبة تمثيل «الخط» في العام 1992 على رغم المقاطعة المسيحية الشاملة، وبحكم بداياته وجد نفسه عن قناعة وتلبية لرغبات سلطة الوصاية في مواجهات مفتوحة مع بكركي والبطريرك مار نصرالله بطرس صفير الذي شكل محور استقطاب المعارضة لعهد الوصاية وللإنقلاب على الطائف. ولكن في مراجعات ذاتية تمكن فرنجية من الخروج من هذه الحالة إلى حالة أكثر تطميناً واطمئناناً لمواقف بكركي والهواجس المسيحية.

 

قد يكون الوزير فرنجية اليوم أكثر حاجة لنزع صورة الوزير المشاكس الذي يتم تكليفه بلعب أدوار محددة كما كان يفعل أيام الصراع مع الرئيس رفيق الحريري منذ توليه رئاسة الحكومة في العام 1992. وهذا الدور لم يمنع حصول مواجهات بينه وبين أبناء الصف الواحد خصوصا على عهد الرئيس أميل لحود الذي مثل خط الصراع المفتوح مع الرئيس رفيق الحريري والبطريرك صفير. من هذا الموقع كان وزيراً للداخلية في حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 2004 التي قيل إنها كانت حكومة المواجهة التي يمكن أن تغطي اغتيال الرئيس رفيق الحريري وكان المطلوب ربما أن يتولى فرنجية كوزير للداخلية تغطية ساحة الجريمة ولكنه لم يقع في الحفرة وتجاوز هذا القطوع.

 

في انتخابات العام 2005 دفع فرنجية ثمن مواقفه السابقة و»الخط» الذي يمثله. فجأة وجد نفسه مدافعاً عن موقعه داخل زغرتا وخسر المعركة وخرج من مجلس النواب ومن السلطة. في هذا الجو وبعد اتفاق مار مخايل بين العماد ميشال عون و»حزب الله» اختار فرنجية أن يكون إلى جانب التيار الوطني الحر. ربما كان يدرك أن هذا اللجوء السياسي يؤمن له عبوراً آمنا للمرحلة ولكنه لم يكن ربما يتوقع أن يصل إلى المواجهة المفتوحة مع التيار خصوصاً بعد تولي الوزير جبران باسيل رئاسة التيار وتعامله معه وكأنه تابع له يمكنه أن يفرض إرادته عليه ويستطيع أن يجعله ينتظر حتى يقابله. هذا الأمر الذي لم يُخرج فرنجية عن هدوئه في المرحلة الأولى جعل عمّته صونيا تخرج عنه عندما تحدثت بغضب وانفعال عن أصل باسيل وزعامة عائلة فرنجية. كانوا في التيار يعتبرون أنهم حموا فرنجية وأنه لجأ إليهم ولهم جميل عليه.

 

ما جمعته المصلحة المشتركة بين فرنجية والتيار الوطني الحر فرقته رئاسة الجمهورية. منذ العام 2005 بعد عودته إلى لبنان تعاطى العماد ميشال عون وكأنه رئيس الجمهورية المنتظر. ضاعت عليه الفرصة مع انتخاب العماد ميشال سليمان رئيساً في أيار 2008 نتيجة الإنقلاب العسكري الذي نفذه حزب الله في 7 أيار وتفاهم الدوحة الذي نتج عنه وتم فيه التوافق على قانون الإنتخابات وتقسيم الدوائر الإنتخابية وانتخاب الرئيس. اعتبر عون أن الرئاسة أخذت منه وأنه كان على «حزب الله» أن يفيه جميله نتيجة وقوفه معه خلال حرب تموز 2006 وتغطيته لعملية 7 أيار. واعتبر فرنجية أن التوازنات أو الظروف كما يسميها لم تكن تسمح بأن يكون هو الرئيس نتيجة التزامه الدائم بالخط الذي كان يمثله النظام السوري وبات يمثله «حزب الله» في الداخل وكان يعتبر أن عون يتقدم عليه.

 

قد يكون فرنجية ارتكب خطأ قاتلاً عندما تجرأ على أن ينسج اتفاقاً مع الرئيس سعد الحريري في العام 2015 ليكون مرشحاً لرئاسة الجمهورية من دون أن يطلب إذناً من «حزب الله» مكتفياً بإعطائه علماً بذلك وهو يهم بركوب الطائرة على المطار متوجهاً إلى باريس وكان يدرك وقتها أن العماد ميشال عون هو المرشح الوحيد لـ»حزب الله». ولكن تخلي «حزب الله» عنه لم يجعله يخرج عن «الخط». حاول أن يكون هناك خيار آخر يمثله هو إذا تعذر انتخاب عون ونتيجة الإرباك الذي عاشه غاب عن حضور جلسات انتخاب الرئيس وانهارت العلاقة بينه وبين التيار الوطني الحر.

 

اعتبر فرنجية أن تفاهم معراب بين القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر في 18 كانون الثاني 2016 لترشيح العماد عون هو محاولة لقطع الطريق عليه ولكن هذا الأمر لم ينسف علاقات كانت قائمة بينه وبين القوات اللبنانية وبعضها كان يتعلق أيضا برئاسة الجمهورية. منذ جمعه البطريرك مار بشارة بطرس الراعي مع الرئيس أمين الجميل والعماد ميشال عون والدكتور سمير جعجع في بكركي في العام 2011 للإتفاق على رسم خريطة طريق للرئاسة كانت هناك حالة هدنة بينه وبين القوات اللبنانية. وحتى بعد انتخاب العماد عون رئيساً واشتداد الخلاف بينه وبين التيار ومقاطعته للرئيس وخروجه من تكتل لبنان القوي خاض خطوة المصالحة مع القوات اللبنانية والتقى الدكتور جعجع في بكركي بحضور البطريرك الراعي في 14 تشرين الثاني 2018.

 

بعد انتخابات 2022 أصيب فرنجية بنكسة لم ترتق إلى مستوى نكسة 2005 وعبر عنها بالقول إنه نجا من هذا القطوع. كان واقعياً في قراءة نتائج الإنتخابات التي جعلت ابنه طوني نائباً إلى جانب ميشال معوض وميشال الدويهي. حاول «حزب الله» أن يجمع بين باسيل وفرنجية. دعاهما السيد حسن نصرالله إلى إفطار رمضاني ولبيا الدعوة ولكن بعد ذلك لم يحصل أي لقاء. اعتبر فرنجية أنه مرشح طبيعي للرئاسة. وباسيل يعتبر نفسه أيضا أنه مرشح ويعلن أنه لا ينتخب فرنجية. لم يحسم «حزب الله» المسألة لأنه لا يملك الأكثرية النيابية التي تؤهله لتنفيذ وعده. في العام 2014 منع انتخاب رئيس غير عون لأن الأكثرية النيابية كانت في مكان آخر. اعتمد فرنجية سياسة الإنفتاح على الجميع ليعلن أنه عندما يصبح رئيساً سيشرك الجميع في المسؤولية ولكن هذا الطرح لم يكن قابلاً للصرف طالما أن لا اتفاق من «الخط» على تسميته ذلك أن هذا «الخط» فيه خطوط كثيرة وهو من دون شك لديه شعور بأن «حزب الله» لا يجعله أولوية عنده ويفضل عليه العلاقة مع التيار الوطني الحر.

 

يتحدث فرنجية عن الإنفتاح ولكنه يبقى داخل «الخط». ربما عليه أن يخرج عن هذا «الخط» إلى خط آخر. وربما عليه أن يدرك أيضا أن طريق الرئاسة لا تمر عبر هذا «الخط» وحده وأن خطوطاً أخرى يمكن أن تؤهله لذلك وعليه أن يدرك أن انتخابات الرئاسية للعام 2022 إذا حصلت لن تكون نهاية الطريق وهو لديه المتسع من الوقت ليبحث عن الطريق الآخر وعن الخط الآخر إلا إذا كان يعتقد أن هذا «الخط» دائرة مقفلة يدور فيها ولا يمكنه الخروج منها.

 

في 25 أيار بعد الإنتخابات النيابية كتب جورج سعادة شقيق الوزير السابق يوسف سعاده داعياً الوزير فرنجية للخروج من هذا الخط سائلاً عن سبب عدم تركه وقال متوجهاً إليه: «هذا الثنائي (الشيعي) يا صاحبَ المعالي هو من خرج عن الخطّ وطعنك وطعننا مراراً ولا يزال، وأخالك تحلِّل نتائجَ الإنتخابات الأخيرة وما قصد فيها من تحجيمٍ لك ولحلفائك، أمّا إذا كان الهدف رئاسة الجمهوريّة (وهي كذلك) فأنا من المؤمنين بأنّكَ ستتلقّى الطعنةَ الثالثة منه ومَن يعِش يرَ (مع العلم أنّني أتمنى لك الخير حتّى تكون زغرتا بخير)»!!