… وتحقق للرئيس التركي رجب طيب اردوغان، ما خطّط له بأكثر من سيناريو، لطَي صفحة الصفعة التي تلقّاها من الاكراد والقوميين، في الانتخابات البرلمانية الماضية قبل خمسة اشهر.
رفع اردوغان سقف أطروحاته الى تعديل سريع في الموازين يُمهّد له لعب دور «السلطان» الحديث وريث السلطنة العثمانية، التي ردحت بحكمها اربعة قرون في الاقليم، اكثر بكثير ممّا هو وريث التركة المريضة، التي نهض بها مع الحلفاء، مصطفى كمال، صبيحة انكفاء الحرب العالمية الاولى ومفاعيلها.
صحيفة «حريت» التركية عددت أربعة اسباب صبّت في حساب «العدالة والتنمية»، موفّرة له استقطاب اربعة ملايين صوت اضافي، على حساب الاحزاب المعارضة، التي سبق وهزمته قبل مئة وخمسين يوماً، وتختصرها بأربع نقاط:
• خذلان «الحركة القومية» لزعيمها دولت بهجتلي، الذي تَشدّد المرة الماضية مع الخصم اردوغان، برفضه تقاسم السلطة.
• تصاعد الهجمات الارهابية لـ»حزب العمال الكردستاني» و»الدولة الاسلامية».
• تركيز حملة «العدالة والتنمية» على الاقتصاد، بدلاً من السياسة.
• إستخلص اردوغان العبر، وأعاد وضع لوائح المرشحين وفقاً لمطالب الشعب.
ليس تفصيلاً عادياً حصول اردوغان على اكثر من نصف اصوات المقترعين، لأنّ برامجه المتتالية ستحوّل جمهورية اتاتورك الى رئاسية، وبالتالي إطلاق يديه في فترات رئاسية ديمقراطية، انما غير محددة بسقف، ما يسمح له بتعديل عميق في الدستور، وتطويع كل مؤسسات الدولة واضعاف خصومه، متكئاً على شعبيته المتزايدة، من جهة، وعلى سياساته الاقليمية والدولية من جهة ثانية.
وبأسلوب طَرق الحديد وهو حام، سارعت الحكومة الى دعوة الأحزاب السياسية التركية إلى الاجتماع، والاتفاق على دستور وطني مدني جديد، يحقق حلم النظام الرئاسي، مشفوعاً بتسليم الخاسرين، والرئاسة التنفيذية التي ينشدها، على غرار النظام الأميركي، تفتح الابواب أمامه لتعزيز النفوذ الإقليمي والدولي.
في الداخل، قد لا تكون الصفعة الكبرى موجهة الى القوميين، بمقدار ما هي للأكراد، إن للغريم «حزب الشعوب الديمقراطي»، أو «لحزب العمال الكردستاني»، ومع انّ الأوّل سيبقى في البرلمان، الّا انّ نفوذه سيصطدم مباشرة بالسلطة، حيث ترجمت فوراً بالشدة من شرطة مكافحة الشغب، لتفريق الجموع المعترضة في مدينة ديار بكر، «العاصمة» الفعلية لأكراد تركيا. امّا الغريم «الدموي حزب العمال الكردستاني» فتلقّى رسالة أردوغان: «انّ العنف والتهديدات وسفك الدماء لا يمكن أن تتعايش مع الديمقراطية وسيادة القانون».
أوراق اردوغان الاقليمية والدولية تتمحور حكماً في سوريا وتداعيات ثورتها، ويجيد «السلطان الجديد» ترتيبها، فمِن جهة يمسك أكثر فأكثر برئة التنفّس الضرورية للمعارضة السورية بشتى أجنحتها، إن بالذخائر والاسلحة أو بالمال والنفوذ. وبالتالي، يشدد قبضته سياسياً على مفاعيل ترجمة أي حراك سياسي.
وفي المقابل يستمر اردوغان في «إذلال» الاتحاد الاوروبي، عبر ترتيب موجات المهاجرين غير الشرعيين من تركيا الى حدود اليونان والبلقان، ليطوّع المانيا خصوصاً، التي كانت تجاهر حتى الأمس القريب بمعارضتها ضمّ تركيا الى كنف الاتحاد… فيما تتحكم أنقرة بالنفوذ العسكري كقوة مواجهة لدى حلف شمال الاطلسي، ضد النفوذ الروسي المستجِد، إن في المتوسط أو في سوريا نفسها.
في إقليم مُلتهب ومتقاطع المصالح والنفوذ، أتت نتائج الانتخابات البرلمانية التركية المبكرة، في جعبة اردوغان «وعدالته»، الذي لم يتأخر في التصويب الى كل الاتجاهات، سعياً الى اعتراف بدوره المستقبلي، «كسلطان» قادر على تنفيذ أجندته «الاخوانية»، من دون أي مركب نقص، فيما تجد كل من المملكة العربية السعودية ومصر نفسيهما أمام واقع جديد، يلزمهما بالتحالف مرحلياً، لحسن ترويضه حين يقترب من مصالحهما الاستراتيجية، قبل ان يَفكّا التحالف حين تعود المسألة الى سوريا وتداعيات ثورتها، ومصير بشار الاسد في مستقبله.