Site icon IMLebanon

«السلطان» ينفتح لإطفاء «النار» الكردية!

اختار «السلطان» الرقص مع «القيصر»، على العزلة. قبل الحسم، والبدء برقصة «التانغو»، تواصل في «الحديقة الخلفية» لـ»القيصر«، مع بنيامين نتنياهو، فأنجز معه بسرعة كل ما جرى التفاوض عليه لسنوات. رجب طيب اردوغان، لا يعرف الوسطية في مواقفه. دائماً يقف مثل «السلاطين» على ضفّة من النهر ويحارب منها وفيها حتى النهاية. هذه المرّة، أخذ اردوغان قراراً شجاعاً. تنازل كثيراً عن عنفوانه الشخصي، ليُخرِج تركيا من «بركان» الأزمات الذي يكاد يشعل النار فيها ويدمر كل ما جعل منها دولة قوية وغنية. بالنسبة لـ»السلطان»، ليس مهماً ماذا يقول الآخرون عنه، المهم كيف يمكنه المحافظة على ما صنعه حتى يبقى كما هو الآن جنباً إلى جنب مع أتاتورك، على أمل أن يأتي اليوم الذي يُقال فيه: اردوغان وأتاتورك وليس العكس.

إسقاط الطائرة الروسية، كشف العورة أمام «السلطان»، بأنه وحيد وتجري محاصرته والضغط عليه من كل الجهات، في وقت لا حليف له يُنجده. 

أكبر الخسائر التي تلقاها اردوغان، لم تكن في التهديدات الروسية، وإنّما في الانسحاب «الاوبامي» الأميركي والتخلّي عنه وعن تركيا التي شكّلت «الستار الحديدي» للحلف الأطلسي أمام السوفيات لحماية أوروبا الغربية طوال عقود. لم ينجده الرئيس باراك أوباما ولو بكلمة، ولم يتحرّك الحلف الأطلسي، فوقف «عارياً» أمام «القيصر» فلاديمير بوتين الذي «تلذذ» بـ»عرائه» حتى الثمالة، وكأنّه كان في ذلك يأخذ منه ثأر الاتحاد السوفياتي المندثر.

المصالحة مع «الجناح الغربي» موسكو، جاءت بعد نجاح اردوغان في إتمام المصالحة مع الجناح الجنوبي إسرائيل. ربما أنقرة هي أكثر دول المنطقة التي تعرف إسرائيل وتمتلك الكثير من أسرار حركتها السياسية. لذلك أكمل بسرعة المفاوضات، خصوصاً وأن بنيامين نتنياهو هو الحاضر الكبير في الكرملين. التنسيق الروسي الإسرائيلي عميق وواسع وجدّي وغني. مَن لا يعرف هذا، يعني أنه ذاهب إلى الهاوية بسرعة انتحارية. نتنياهو لعب دور الوسيط الحقيقي مع فلاديمير بوتين، ونجح. حالياً تشكّل تحالف ثلاثي ضخم من موسكو وأنقرة وتل أبيب. في قلب هذا التحالف القبول بالتمايزات في بعض القضايا خصوصاً الملف السوري دون الوصول إلى المواجهة. يجب الأخذ بعين الاعتبار أن تركيا أصبحت جزءاً أساسياً من التفاهمات الروسية الإسرائيلية، وهذه التفاهمات مفتوحة على الكثير من القضايا خصوصاً الميدانية منها، حتى في سوريا.

العلاقة المزدوجة مع روسيا وإسرائيل، تُعطي لاردوغان «المجروح» من الموقف الأميركي، وزناً من العيار الثقيل. ستضطر واشنطن ما بعد أوباما الى أخذه بعين الاعتبار في كل حركتها في منطقة الشرق الأوسط، خصوصاً بما يتعلق بالمسألة الكردية، التي يعتبر اردوغان والأتراك معه أن واشنطن «خانتهم»، فهي ذهبت في موقفها إلى حدود دعم الحركة الكردية لإنشاء «شريطهم» المستقل في سوريا في وقت تتصاعد فيه من جديد الحركة الكردية الانفصالية في تركيا. أنقرة تعتبر قيام «دولة كردية سورية» يحاصر بلاد الأناضول ويخنقها. المعلومات القادمة من داخل «بلاد» الأكراد في ديار بكر، تؤكد ان الحرب أصبحت مفتوحة وبلا رحمة.

أكثر ما يقلق الأتراك، من التصعيد العسكري، عودة نفوذ «العسكر» التركي إلى قلب السلطة. ما عمل «السلطان» من أجله وبدعم كامل من المجتمع التركي المدني في إبعاد نفوذ «العسكر» وإعادة «البوط» العسكري الى الثكنات بعد إخراجه من دوائر السلطة، يبدو حالياً مهدّداً عند كل صباح. كل يوم قتال مع الأكراد، ينتج تقدم «العسكر» خطوة إلى الأمام نحو السلطة. أمام خطر تطويق تركيا «بحزام» كردي من النار، لا شيء يحول دون خوض معارك ضخمة، مباشرة أو بالوكالة في «منبج» التي تشكل نقطة القطع والوصل في الحزام الكردي، ولا في حلب الاستراتيجية مهما كانت الكلفة.

دخل «السلطان» في «ورشة» تغيير داخلية وخارجية حقيقية. نفذ منها المصالحة مع موسكو وتل أبيب، وسيتم إكمالها بالمصالحة مع مصر، ضمن خطوات مدروسة. انقرة والقاهرة بحاجة لهذه المصالحة الضرورية. لم يعد مسموحاً للقوى الاقليمية تجاهل خطر انفلات «المستنقع» الداعشي خارج الحدود السورية والعراقية. أثبت «داعش» أن لا حليف له لأنه لا يهمّه أن يكون له حلفاء. الجميع أعداؤه، والحرب ضدّ الجميع بلا حدود ولا قواعد. العلاقة التركية الإيرانية دائمة التذبذب رغم العلاقات الاقتصادية الضخمة بينهما. سوريا في قلب هذا التذبذب. يوماً بعد يوم، تنزلق إيران نفسها نحو «الحزام» الكردي المشتعل. أنقرة وطهران شريكتان في «الهمّ» الكردي المصيري. هذا «الهمّ» سيفرض عليهما عاجلاً أم آجلاً تفاهمات واسعة واستراتيجية، حتى في سوريا.

مسار التفاهمات يتشكّل على وقع الحروب في المنطقة. أثمان الوصول إلى «المحطة» الأخيرة، ستكون مرتفعة جداً لأن التصعيد الدامي سيّد كل الجبهات.