الرئيس رجب طيب أردوغان ربح رهانه على النظام الرئاسي، ولو بهامش ضئيل. وكل شيء يوحي ان نتائج الاستفتاء الذي أجري في حال الطوارئ ليست الفصل الختامي في المعركة بل بداية فصل جديد بالغ الصعوبة والتعقيد. فالانقسام عميق جدا، بحيث بدا حلم الرئيس كابوسا بالنسبة الى نصف الشعب التركي. ومعبّر جدا لجهة تعديل النتائج بأصوات الريف، في حين قالت المدن الأساسية لا، وبينها اسطنبول وأنقرة وأزمير. وليس أصعب من تجاهل الانقسام سوى تجاوزه ومحاولة ردم الهوّة بين الجانبين.
وما أكثر الدلالات في كون الأولوية لدى أردوغان بعد الاستفتاء هي لإستفتاء آخر على العودة الى قانون الاعدام، والتوقف عن السعي لدخول الاتحاد الأوروبي ونفي اطار النظام الديمقراطي البرلماني طغى أردوغان على المجلس النيابي والحكومة. ورد على الانقلاب العسكري الفاشل بطرد مئة وثلاثين ألف موظف، بينهم، كما ذكرت النيويورك تايمس، أربعون ألف معلم، ثمانية آلاف ضابط في الجيش، ثمانية آلاف ضابط في البوليس، خمسة آلاف أكاديمي، وأربعة آلاف قاضٍ، وبدت تركيا كأنها سجن في الهواء الطلق حسب تعبير موظف جرى طرده ومنعه من أي عمل لأن ابنته درست بمنحة في احدى مدارس فتح الله غولن. فكيف الحال في نظام رئاسي؟
ذلك ان تجارب الأنظمة الرئاسية في الشرق محكومة بقاعدة ثابتة من دون استثناءات: رجل واحد يتحكّم بالناس ويمسك بكل السلطات ويختصر البلد والشعب بشخصه الى حدّ اضافة البلد الى اسمه. البرلمانات والمناصب الوزارية والادارية هياكل شكلية تديرها المخابرات. والأحزاب ديكور للحزب الحاكم الذي هو أيضا ديكور لسلطة الرئيس.
والانطباع السائد ان جمهورية أتاتورك وصلت الى النهاية على يد أردوغان الذي يتصرّف كأنه سلطان. فهو كان ولا يزال يفاخر بالمعنى السياسي، لا البيولوجي أو التاريخي، بالقول نحن أحفاد السلاجقة والعثمانيين. وهو، كرئيس حزب اسلامي حاكم، ليس معجبا بالنظام العلماني، ولم يتورّع في معركة الاستفتاء عن توظيف المشاعر الدينية في الرد على مواقف أوروبية. فضلا عن ان النموذج التركي للحكم عبر التوفيق بين الاسلام والديمقراطية والأسواق الحرّة والذي بدأ مع الرئيس توركوت أوزال واستمر مع أردوغان تعرّض لانتكاسة بسقوط الليبرالية الاسلامية في ما حدث لثورات الربيع العربي، كما في كتاب جديد ل شيهان توغال تحت عنوان سقوط النموذج التركي.
لكن اللعبة صعبة وخطرة، سواء بالنسبة الى انهاء جمهورية أتاتورك أو بالنسبة الى ممارسة حكم السلطان من دون استعادة السلطنة. وما شهدته تركيا حتى الآن هو صناعة ديكتاتور عبر أمور عدة بينها تكريس سلطان باستفتاء.