لا شيء يوقف صعود رجب طيب اردوغان المستمر منذ بدايات القرن الحادي والعشرين. ولا قمة أعلى من القمة التي صعد اليها بانتخابه اول رئيس تنفيذي في النظام الرئاسي أحلّه استفتاء شعبي محل النظام البرلماني الممتد منذ ١٩٢٣. فما انتهى في تركيا ليس فقط النظام البرلماني بل ايضا جمهورية اتاتورك وبعض ما كرسه الجنرال مصطفى كمال من مفاهيم واتجاهات مفصلية مع الماضي. وما بدأ ليس فقط جمهورية اردوغان بل ايضا تكريس ما يفاخر به اردوغان قائلا: نحن احفاد السلاجقة والعثمانيين.
ذلك ان اردوغان يقول ان الديمقراطية تشبه القطار، تنزل منه عندما تصل الى محطتك. والسؤال هو: ماذا بعد المحطة التي نزل فيها اردوغان من منظار الديمقراطية؟ ماذا يفعل بالسلطة المطلقة التي صارت في يده؟ ما السر الذي وراء فوزه في كل المعارك النيابية والرئاسية التي خاضها مع منافسيه جميعا في احزاب المعارضة وبعضها كان حاكما؟ وكيف تمكن من التفرد بزعامة حزب العدالة والتنمية والتخلي او التخلص من معظم شركائه في تأسيس الحزب وفي طليعتهم رفيقه عبدالله غول بحجة انه لا يستطيع مهرّجان اللعب على حبل واحد؟
كان ستالين يقول ان الروس شعب قيصري في حاجة دائمة الى قيصر لعبادته والعمل لاجله. ولعل ما ادركه اردوغان هو ان الأتراك شعب سلطاني يحتاج دائما الى سلطان للعمل من أجله. فما رأيناه هو صناعة سلطان عبر صناديق الاقتراع. وليس ذلك استثناء من قاعدة بدأت تتسع هي ما سماه الفيلسوف الفرنسي جان فرنسوا ريفيل إغراء التوتاليتارية. وما أكثر الدول التي اندفعت في صناعة رئيس سلطوي بحجة انه أقدر من رؤساء الأنظمة الليبرالية الديمقراطية على ضبط الأمن والاسراع في تحقيق النمو الاقتصادي.
ومن السهل ان تتحوّل الأنظمة الرئاسية في العالم الثالث الى أنظمة سلطوية في يد رجل واحد. إذ هي تفتقر الى الفصل الجدّي بين السلطات وما يسمّى في أميركا الضبط والتوازن. وما يحتاج اليه أردوغان، كما يقول أحد معارضيه، هو خصوم، انتصارات، ورموز. وهو جمع كل ذلك: التركيز على الخصوم مستمر. والانتصارات في المعارك مستمرة. والرموز كبيرة جدا: قصر رئاسي يوازي في الحجم أربعة أضعاف قصر فرساي وجامع بالرخام الأبيض على أعلى تلّة في اسطنبول، وتخطيط لشق قناة بين البحر الأسود وبحر مرمرة. وهي قناة تؤدي الى تهجير ٨٠٠ ألف مواطن وجعل اسطنبول مدينة غير قابلة للعيش.
والاسلام السياسي يتقدم والعلمانية تتراجع والاقتصاد ينكمش والشخصانية تتضخّم.