القطاع السياحي لا يتوقّع موسماً عامراً
لطالما كان القطاع السياحي بين القطاعات الاقتصادية الرائدة في لبنان، كونه يشكّل مصدراً رئيسياً للدخل والتوظيف. عدة عوامل أدت الى تراجع القطاع تأثراً بتردي الأوضاع الاقتصادية والسياسية والأمنية وانتشار جائحة كورونا. كان عام 2022 ناجحاً نسبياً، وتركّزت الجهود على تعويض الضرر الناجم عن جائحة كورونا في عامي 2020 و2021. وبعد انحسار الجائحة، هل سيشهد عام 2023 انتعاشاً؟ وكيف يتحضر اصحاب القطاع السياحي لجعله ناجحاً ومثمراً بمنافع وعائدات تفيد الإقتصاد اللبناني؟
دولارات الوافدين
كان قد عوّل لبنان العام الماضي على دولارات الوافدين لحل مشكلة سعر الصرف وانعاش الاقتصاد والخروج من بعض تداعيات الأزمة التي شلّت حركة البلاد وجعلتها على شفير الهاوية. ولكن سعر الصرف لم ينخفض، فالدولارات التي دخلت لم تتم الإستفادة منها بشكل إيجابي، ولم تتوزع على القطاعات كافة، لأسباب عديدة مثل عدم وجود قطاع مصرفي قادر على توظيف هذه الدولارات وإعادة ضخها في شرايين الإقتصاد، وهذا يعني أن القسم الأكبر من دولارات المصطافين لا تدخل في الدورة الإقتصادية على شكل استثمارات ومدخرات لخلق فرص عمل وشركات جديدة، إنما تذهب فقط للاستهلاك وتستفيد منها قطاعات محدودة ولفترة محدودة.
«السياحة العالمية»
قالت منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة «إن عدد السياح الدوليين الوافدين عام 2023 قد يقترب من مستويات ما قبل الجائحة، حيث من المتوقع أن تعود السياحة في الشرق الأوسط وأوروبا إلى طبيعتها». إلا أن المنظمة أشارت إلى أن «السياح قد يبحثون بشكل متزايد عن القيمة مقابل أموالهم وقد يختارون السفر إلى مناطق أقرب إلى أوطانهم مع استمرار التحديات الاقتصادية العالمية». فبعد انتعاش أقوى من المتوقع عام 2022، قالت المنظمة: «إن السياحة الدولية يمكن أن تصل إلى ما بين 80 إلى 95 في المائة من مستويات ما قبل الجائحة، اعتماداً على مدى التباطؤ الاقتصادي، واستمرار التعافي للسفر في آسيا والمحيط الهادئ، وتطور الهجوم الروسي على أوكرانيا، من بين عوامل أخرى».
الأشقر: القطاع السياحي جاهز ولكن…
يشير رئيس إتحاد النقابات السياحية في لبنان ورئيس المجلس الوطني للسياحة بيار الأشقر الى أن «القطاع السياحي في لبنان بجهوزية تامة لأي وقت من الأوقات، فاللبناني ملك إدارة الأزمات: فمنذ 20 سنة الى اليوم، تعصف المشاكل في لبنان بشكل مستمر. ففي سنة 2003 اندلعت الحرب في العراق وتوقفت الرحلات لمدة أربعة أشهر، ثم إغتيل الرئيس رفيق الحريري سنة 2005، وفي 2006 قامت حرب تموز، ثم تسكير بيروت من سنة 2007 الى منتصف سنة 2008، وفي 2011 اندلعت الحرب والمشاكل في سوريا… ما يعني أنه لم يمرّ على لبنان استقرار سياسي وأمني واجتماعي ومالي على فترات طويلة. والسياحة كقطاع مرتبط بشكل أساسي بالاستقرار، فإن تظاهرة واحدة، حتى ولو كانت من دون عنف، يمكن أن تغير معالم السياحة في لبنان».
ويذكر الأشقر ان الفنادق في العاصمة تعمل لكن القسم الأكبر منها يعمل بشكل جزئي. اعادة العمل بشكل كلّي، أي فتح جميع الاقسام والخدمات، ليس عائقاً خاصة وأن عدد الموظفين يسمح بفتح باقي الاقسام المغلقة واعادة تشغيلها. إضافة الى أن هناك حوالى 80 بالمئة من الفنادق الموجودة خارج بيروت مغلقة بشكل تام، ويعود ذلك الى تراجع عدد الزبائن وتوجههم نحو العاصمة بيروت، فعندما كان المازوت مدعوماً والكهرباء مدعومة وكذلك المياه، كان من الممكن تشغيل الفندق لعشرة أشخاص فقط، أما اليوم فإن تشغيله لعدد قليل يوقعه في خسارة. ولكن بالطبع ستعاود هذه الفنادق فتح أبوابها مع عودة موسم الصيف. ولكن تبقى المشكلة في الظلام الذي يسود فوق سماء لبنان وعدم الاستقرار، إذ يكفي أن يحذّر صندوق النقد الدولي من أن لبنان يمرّ في «لحظة خطيرة للغاية» في ظل انهيار اقتصادي متسارع، منبهاً من أن التقاعس عن تطبيق إصلاحات ملحّة من شأنه أن يدخل البلاد في «أزمة لا نهاية لها»، ما يعني أنه يمكن أن تنقطع الانترنت عن لبنان أو حتى الكهرباء والمياه. اننا في لبنان «عايشين من قلة الموت» على الطريقة الدكنجيّة، لذا يصعب تحديد مصير موسم الصيف. فمن سيكون الضيف هذه السنة؟ هل المغترب؟ أم الأجانب؟ فالعلاقة بين الخليج العربي ولبنان ليست على ما يرام، بإستثناء بعض القادمين من قطر والكويت، ولكن الرصيد الأكبر كان مخصصاً للسعودية إذ كان السعوديون يتوافدون الى لبنان بمئات الألوف».
السياحة أصبحت تقتصر على المغتربين!
وتبقى المشكلة الاساسية بحسب الاشقر بنوعية الزوار، «فاليوم أصبحت السياحة ترتكز فقط على المغتربين اللبنانيين، فهناك حوالى 450 ألف لبناني في الخليج العربي و250 ألف لبناني في أفريقيا وحوالى 250 ألفاً في قبرص واليونان وفرنسا، أي ما يقارب مليون مغترب قد يزور لبنان هذا الصيف، أغلبهم يمتلكون منازل لكنهم سيمارسون السياحة الداخلية. والقسم الآخر أي الاجانب وأغلبهم من الجنسيات الاردنية والمصرية والعراقية سيتوجهون نحو الفنادق والشاليهات وبيوت الضيافة. لكن من سيزور لبنان في ظل هذه الظروف؟ فالمجتمع الدولي ليس راضياً عن أداء لبنان بغياب أي اصلاح جدّي، وكذلك الخليج العربي لديه مطالب أمنية ليست متوفرة كما يجب، الأمر الذي يؤدي الى تراجع أعداد السياح. وبالتالي تراجع مداخيل لبنان من هذا القطاع. ففي عام 2010، دخل الاقتصاد اللبناني 9.3 مليارات دولار من السياحة من الأجانب وليس من المغترب اللبناني، اختفى اليوم هذا الأجنبي وبقي فقط المغترب اللبناني».
فلوطي: من قطر والكويت والعراق والاردن
وتشير مديرة قسم المبيعات والتسويق في فندق فينيسيا سنتيا فلوطي الى أن «أغلب الحجوزات في الفندق تقتصر على الجنسية القطرية والكويتية والعراقية والاردنية إضافة الى بعض الاوروبيين، الى جانب المغترب اللبناني. أما بالنسبة لمدة البقاء، ففي فصل الشتاء تنحصر فقط بـ 3 أيام، وفي فصل الصيف تتراوح بين 5 و7 أيام». وتؤكد فلوطي أن الفندق في جهوزية تامة لاستقبال الموسم الصيفي خاصةً في حال تمت إعادة فتح السوق السعودي، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على لبنان.
عرموني: الأسعار باتت رخيصة
المدير العام لفندق ريجنسي بالاس وليد عرموني يؤكد أن «نجاح الموسم الصيفي ليس مسؤولية القطاع الخاص فقط، بل هو يتطلب شراكة بين هذا الأخير والدولة، ولا يجوز التعويل على القطاع الخاص فقط في ظل شبه انعدام النشاطات لدى وزارة السياحة وعدم توفّر الميزانية المطلوبة لدعم السياحة. ونرى أن القطاع الخاص يعمل على تحقيق اكتفائه الذاتي في ظل غياب الدولة، بالرغم من أن هذا القطاع يمكن أن يكون رافعة اقتصادية بدلاً من طلب المساعدات من الخارج، فيمكن له أن يوفر عائدات طائلة كما كان حال لبنان عام 2009 حيث وفّرت السياحة حوالى 10 مليارات دولار للإقتصاد اللبناني». ويتابع عرموني بالحديث عن نسبة الحجوزات ويقول: «ما زالت الحجوزات خجولة ومعظمها يعود للمغتربين اللبنانيين، أما بالنسبة للجنسيات الأخرى فهناك حجوزات لبعض المصريين والعراقيين ولكنها أيضاً خجولة. فالسياحة اليوم أصبحت تقتصر تقريباً على المغتربين الذين يزورون لبنان. أما بالنسبة لمدة الإجازة فمعظمها تتراوح بين 12 الى 15 يوماً، وهي فترة مقبولة للغاية. كما ويشير أيضاً الى أن «أسعار لبنان باتت رخيصة، فلا تتعدى اسعار الاكل والشرب الـ 40 – 45% مما كانت عليه، فما كان يسعّر بـ 10 دولارات أصبح اليوم بـ4 دولارات، وكذلك بالنسبة للغرف التي تراجعت اسعارها أيضاً عما كانت عليها من قبل، مع الاشارة الى فارق كبير بين المصاريف والمداخيل، حيث أصبحت المصاريف تفوق المداخيل أحياناً خاصة مع ارتفاع أسعار المازوت والنقص في المياه تحديداً في فصل الصيف».
لا شكّ في ان موسم الاصطياف في لبنان هو متنفس للمؤسسات السياحية والقطاعات المرتبطة بها لمنحها فرصة عدم السقوط النهائي أمام الانهيار الشامل على مختلف المستويات. ولكن بغياب السياح الخليجيين والأجانب الآخرين لن تنتعش الامور سياحياً واستثمارياً وعقارياً، إضافة الى تردي بعض الأوضاع الأمنية في لبنان والتي تعتبر من أهم المعوقات أمام السياحة. أما بالنسبة لتدفقات المغتربين فهي من دون جدوى كبيرة، وتخسر مفعولها بعد فترة زمنية قصيرة، بغياب الاصلاح المؤدي الى الانتعاش الاقتصادي العام.