بالرغم من سائر التطورات والتداعيات الخطرة العاصفة بالمنطقة العربية فإنّ أحداث اليمن تشكل تحدياً كبيراً للمنظومة العربية كلها، أكبر بكثير من أي تحدٍ آخر، بما في ذلك ما شهدته الساحة العربية من مفاعيل ما سمي بـ «الربيع العربي».
لذلك فإنّ قمة شرم الشيخ العربية مدعوّة الى معالجة هذه الأزمة بكثير من المسؤولية والوعي والتنبه الى ما فيها من فخاخ ومكامن يمكن أن تؤدي الى نتائج وخيمة إذا لم يحسن الملوك والرؤساء والأمراء تداركها.
تعقد هذه القمة وبين الأعضاء شبه توافق حول العملية العسكرية التي بدأت ضربات عسكرية إستهدفت الحوثيين تحت تسمية «عاصفة الحزم». لاشك في أن التمدد الحوثي في اليمن إنطلق بالجحافل العسكرية التي يُجمع القادة في دول مجلس التعاون الخليجي على أنها مدعومة من إيران. ومهما سيكون الموقف المعلن الذي ستتوصل اليه القمة فإنّ أمام القادة (وأمام الأطراف اليمنية كلها على ما بينها من إختلافات جذرية) مرجعين أساسين يشكلان معاً مدخلاً الى حل يراعي الأطراف كافة لو حسنت النيات. المرجعية الأولى هي في قرار مجلس الأمن الدولي، والمرجعية الثانية هي في المبادرة الخليجية التي لا تزال قائمة. وفي تقديرنا أنّ بإمكان الأطراف اليمنية أن تلبي دعوة المملكة العربية السعودية الى مؤتمر يعقد في المملكة تحت رعاية خليجية تتمثل بالمملكة والأمانة العامة لمجلس التعاون الخليجي… وتعقد مفاوضات بين هذه الأطراف اليمنية «على بساط أحمدي» بمكاشفات صريحة…
قد يبدو هذا الكلام طوباوياً أمام قرقعة طبول الحرب ودوي المدافع وأزيز الصواريخ وهدير الطائرات وضوضاء الجحافل المتحركة بآلياتها من الشمال الى الجنوب ومن صعدة الى عدن… ولكن لا بديل عن التفاوض فالتوافق. فالحوثيون لا يملكون القدرة على السيطرة الدائمة على اليمن شمالا وجنوباً. وإذا كانت الظروف المختلفة أدّت الى «تسهيل» عبورهم من مناطقهم (على الحدود اليمنية – السعودية في تلك المناطق الجبلية الوعرة) الى صنعاء أولاً، ثم سائر المناطق اليمنية، فإن هذا الوضع لن يكتب له أن يستمر. ثم إن الحرب من الخارج لدعم خصوم الحوثيين في الداخل، لاشك في أنه ستكون لها نتائج ملموسة ولكنها في تقديرنا ستبقى عاجزة عن تحقيق سيطرة كاملة على البلد أي القضاء الكامل على الحوثيين.
لذلك فالتوافق هو الحل الأمثل، وما سواه ليس سوى تمديد للمأساة اليمنية: قتلاً وتدميراً وتعميقاً للشرخ بين أطياف الشعب اليمني الواحد الذين يجمع بينهم عنصر أساس هو الفقر في بلد كانت «الحكمة يمانية»، وكان «اليمن السعيد» بلد الشعراء والعلماء… فيما لا يعرف علي عبدالله صالح كيف يخفي ملياراته الهائلة!
ومن أسف شديد أن مروحة الصراع – الفتنة أي السنية – الشيعية قد طرقت أبواب اليمن بقوة ودخلتها بعنف، وها هو البلد الذي كان ذات يوم سعيداً يغرق في مستنقع هذه الفتنة بكل ما فيه من مياه آسنة ووحوش كاسرة. وليس معقولاً أن يكون على اليمنيين أن يختاروا بين الحوثيين وداعش ومشتقاتها، والبداية بضبضبة الحوثيين الذين فتح تمددهم غير المنطقي ابواب جحيم هذه الازمة الخطيرة.
وذلك هو معيار الإختبار للقمة العربية السادسة والعشرين في شرم الشيخ.