IMLebanon

قمّة المناخات تُمهِّد لقمّة الحلول والمصالحات

بغَضّ النظر عن النتائج المباشرة لقمّة البحر الميت العربية في الأردن فإنّ لغةً جديدة طغت على بيانها الختامي، وكذلك على خطبِ بعض الملوك والرؤساء من ذوي التأثير الكبير في مجرى السياسة العربية.

هذه القمّة، حسب سياسيّ مخضرَم، قد غادرَت مرحلةً امتدّت لسنوات عدة ولكنّها لم تدخل في مرحلة جديدة ينتظرها جميع العرب بغية الخروج من حروب وفتنٍ ومحَن تكاد تُدمّر دولاً وجيوشاً ومجتمعات وبنى تحتيّة، ولا يخرج منها أيّ رابح، حسبما قال رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في كلمته التي لفَتت الأنظار بما تضمَّنته من روح عربية صافية ومن حِرص على وضع الأصابع على الجروح.

وحسب هذا السياسي المخضرم نفسه، لم تستخدم القمّة خطابات سابقة عرفَتها قمم عربية عدة منذ العام 2011، بل كان واضحاً أنّ هناك ما يشبه الإجماع على ضرورة اعتماد الحلّ السياسي للأزمة السورية من دون أي شروط مسبَقة، كإسقاط النظام أو تنحية الرئيس بشّار الأسد.

ولكن في المقابل كان واضحاً أنّ الجوّ الرسمي العربي لم يصبح جاهزاً بعد لإعادة دمشق إلى مقعدها في جامعة عربية كانت الدولة السورية مؤسّسة لها في مِثل هذه الأيام من أواسط أربعينات القرن الماضي.

والأمر نفسُه ينطبق على اليمن، حيث جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لتؤكّد على الحلّ السياسي للأزمة اليمنية، بعيداً عن لغة الحرب والإطاحة بالانقلابيين. ولكنّ الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي حاوَل في خطابه أن يعيد الأمور إلى المربّع الأول محاولاً توفيرَ غطاء شرعي لِما تشهده اليمن من حروب واحتراب.

والأمر نفسه أيضاً اتّضَح في الحديث عن الأزمة الليبية، حيث بات واضحاً أنّ حكومة قطر ما زالت متمسّكة بموقفها ممّا يجري في ليبيا، على عكس الموقف المصري الذي عبّر عنه الرئيس عبد الفتاح السيسي بانسحابه من الجلسة خلال إلقاء أمير قطر كلمتَه. وجاء البيان الختامي للقمّة يَشمل تسوية ترجّح المقاربة المصرية للأزمة الليبية.

وفي موضوع النزاع العربي ـ الإسرائيلي تمسّكت القمّة بمبادرة قمّة بيروت من دون أيّ تعديل، وعلى عكس ما كان يشاع من أنّ هناك مبادرةً جديدة سيَطرحها الرئيس الفلسطيني محمود عباس (ابو مازن) تتضمّن بعض التعديلات على مبادرة السلام العربية، فجاء خطاب عباس يَحسم الأمر لمصلحة تلك المبادرة التي كان قد أطلقها الملك السعودي الراحل عبدالله بن عبد العزيز، من دون تغيير أيّ حرف فيها.

ولكنّ الكلام الداعم لفلسطين لم يرافقه أيّ قرار واضح بدعم صمود الشعب الفلسطيني وانتفاضته وحماية المقدّسات من الانتهاكات المتواصلة، فيما كان البعض يتوقّع قراراً عربياً واضحاً بالتحرّك على المستويات الديبلوماسية والقضائية والإعلامية، على الأقلّ، لنصرة الحقّ الفلسطيني.

وفي المسألة اللبنانية، حسبَ السياسي المخضرم نفسه، جاءت كلمة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون المحيطة بالوضع العربي الراهن وأوجاعه وهمومه إخراجاً للقمّة من التفاصيل اللبنانية المرهقة وتأكيداً لدور لبنان في مدّ الجسور بين أشقّائه العرب، وكان لافتاً أنّ أيّ حديث جدّي لم يُطرح حول اعتبار حزب الله «منظّمة إرهابية»، فحذت قمّة الأردن حذوَ قمّة موريتانيا بطَيّ هذا الموضوع الذي تردَّد أنّ وزراء الداخلية والخارجية العرب قد اتّخذوا قرارات في شأنه من خارج إجماع الأعضاء، كذلك اتّضَح أيضاً أنّ تلك القرارات جوبِهت بردّ فعلٍ شعبي عربي واسع تمثّلَ خصوصاً في مؤتمر انعقَد في تمّوز الماضي في بيروت وحضرَته مئات الشخصيات العربية من كلّ ألوان الطيف السياسي والطائفي والحزبي والاجتماعي العربي.

وحتى في الموقف المتعلق بإيران كان واضحاً أنّ التعابير التي استُخدمت في البيان الختامي للقمّة هي تعابير احتجاجية ودفاعية أكثر منها تعابير هجومية وعدائية.

فاكتفى البيان بدعوة إيران إلى تغيير سياساتها ووقفِ ممارساتها، وهذا حسب السياسي المخضرَم نفسه، يتطلب حواراً مباشراً بين الرياض وطهران أوّلاً لكي يجري تحديد هذه الانتهاكات والممارسات ومعالجتها، فالبيان لم يُغلِق صلة الحوار مع إيران ولم يندفع في اعتبار إيران عدوّاً أشدّ خطورة من إسرائيل.

ويَستخلص هذا السياسي المخضرم أنّ رئيس الدورة الحاليّة للقمّة ملك الأردن عبدالله بن الحسين يستعدّ لأن يلعب دوراً في تنقيةِ العلاقات العربية ـ العربية بتفويض قلَّ نظيره، فحضور 16 ملكاً ورئيساً وأميراً عربياً قمّة البحر الميت هو دعمٌ قويّ للملك الأردني في المرحلة المقبلة، خصوصاً أنّ مثلَ هذا العدد لم يحضر في أيّ قمّة سابقة.

ويعوّل كثيرون على العاهل الأردني الذي يجيد حملَ العصا من وسطها أن ينجحَ في ترجمة التوازن الجديد في النظام الرسمي العربي خطةً لاستعادة العلاقات العربية إلى سابق عهدها.

بل إنّ بعض المتفائلين يعتقدون أنّ تحديد مكان القمّة المقبلة في الرياض هو تمهيد لأن تكون عودة سوريا إلى الجامعة العربية خلال تلك القمّة، وهو أمرٌ سبقَ أن تَحقّقَ عام 2009 في قمّة الرياض العادية بعد الكلمة المهمّة التي ألقاها الملك الراحل عبدالله بن عبد العزيز في الكويت لتنفتحَ بعدها الأبواب بين دمشق والرياض.

فهل يصحّ تفاؤل المتفائلين وتكون قمّة الرياض المقبلة قمّة المصالحات وتتويج الحلول السياسية للأزمات العربية التي أطلقت قمّةُ الأردن المناخات اللازمة للتوصّل إليها لاحقاً؟ أم ما زالت العصيّ في الدواليب أكثر من التمنّيات في الصدور؟.