لا تلغي اللغة الناشفة، التصعيدية والمتحدّية، التي خرجت عن لقاء المرشد الإيراني مع الرئيس الروسي في طهران أمس، القراءة الأخرى القائلة بأن اللقاء مؤشر على شيء تسووي وليس العكس.
وبالإذن من مطوّلات ومختصرات الفريق الإيراني ـ الأسدي، التي تذهب في الغلو الى حدّ توقع حرب عالمية (دفعة واحدة!) من أجل جثة سياسية تمثلها سلطة بشار الأسد، فإن قمة طهران تقول غير ذلك تماماً، عدا أن العلاقة بين إيران وروسيا تحتاج في ذاتها الى الكثير من التوضيحات. والكثير المماثل من الجهد البيني من أجل إزالة، أو محاولة إزالة «الشوائب» التي رافقت الدخول الروسي الصاخب على النكبة السورية.
ولا يحتاج الأمر الى ضرب في الرمل ولا القراءة في الفنجان، لملاحظة تراكم التحفظات الإيرانية المكبوتة والمعلنة على الأداء الروسي في سوريا وانطلاقا منها. وهي تحفظات أساسية وليست شكلية. وفي مقدمها، تلك الخطوط التنسيقية المفتوحة بين الروس والإسرائيليين.. ثم بعد ذلك (إذا أمكن) ذلك الغموض غير البنّاء في موقف موسكو الأخير من الأسد ومصير سلطته.
والفارق بين الموقفين لا تغطيه الاعلانات المشتركة عن الاصطفاف في محور واحد دفاعاً عن الأسد: في حين قالت موسكو وتقول سرًّا وعلناً، انها تحمي مصالحها في سوريا (وهذه أكبر من الأشخاص) فإن المرشد الإيراني يقول بأن الأسد «خط أحمر» بالنسبة إليه.. وفي حين لا يخفي فلاديمير بوتين أي جوانب خاصة أو عامة من علاقته مع إسرائيل، فإن ذلك بالنسبة الى الإيراني، أمر لا يمكن تسويقه أو استيعابه أو هضمه بسهولة (أقله في الشكل!).
وتلك ليست تفاصيل يمكن العبور فوقها بسهولة، خصوصاً وان الطرفين ليسا في موقع مريح في سوريا يمكنهما من تبادل الخدمات أو التمريرات، بل لا يزالان في خانة العجز، المنفرد والمزدوج عن دفع الأمور الميدانية في سوريا لمصلحتهما أو لمصلحة أي منهما.. وبمعنى آخر، فإن العجز الإيراني على مدى السنوات الماضية هو الذي دفع الى الاستعانة المكثفة بالروس. والعجز الروسي في المقابل عن تلبية كل متطلبات هذه الاستعانة، هو الذي يدفع بوتين الى الانغماس في البحث عن «حل سياسي» وليس عن انتصار مستحيل في سوريا!
وفي حين أن الإيراني مكبّل بيقينياته تحت سقف موقف «المرشد الأعلى» المتمسك شخصياً ببقاء الأسد، فإن الروسي طليق اليدين ويتحرك بالطول والعرض وفي كل الاتجاهات، ولا يخفي ذلك. أي انه يتحدث مع الاميركيين والفرنسيين والبريطانيين والغربيين عموماً لغة شبه موحدة في شأن «مكافحة الارهاب». ويتحدث مع أنقرة والرياض والدوحة وعمان عن الحل وشروطه. ويُبقي في الوقت ذاته، كل الأبواب مفتوحة ومع الجميع في شأن الكلام عن المصير الأخير للسلطة الأسدية.. ولا يجوز (شرعاً!) إغفال انه يتحدث أيضاً مع الإسرائيليين عن «المصالح المشتركة» وفي المنطقة كلها وليس في سوريا وحدها!
قمة خامنئي بوتين تحسّن الأوراق التفاوضية للطرفين لكنها لا تقدم أو تؤخر شيئاً في ظروف الميدان.. فهي تأتي لتواكب مساعي التسوية وليس لنسفها، بل الأرجح هو أن بوتين يتولى شخصياً الجانب الصعب من مهمة لا يستطيع غيره القيام بها: «إقناع» المرشد الإيراني بأن الأسد صار من الماضي. وإنه تحت هذا السقف وليس فوقه، تجري المحاولة الأكثر جدية لترتيب مستقبل سوريا.
.. أما تخرّصات الأسد وتوابعه المحلية في لبنان، عن أولوية «القضاء على الإرهاب» والحروب العالمية، ومواعيد «تحرير» المناطق الخاضعة للمعارضة، فهي تشبه في ضحالتها وركاكتها، تلك الجملة الطنّانة التي خرجت من الكرملين بالأمس وقالت ما حرفيته «ان خامنئي وبوت