ماذا بقيَ للقِـمّةِ العربيّةِ اليومَ في الأردنِ بعدَ القِمّةِ الإيرانية / الروسية (روحاني وبوتين) يوم أمس، والقِمّةِ التركية / الروسية (أردوغان وبوتين) في العاشرِ من الشهرِ الجاري، والقِمّةِ السعوديّةِ / الأميركية (محمد بن سلمان وترامب) منذ أسبوعين؟
الأولى وَجَّهت رسالةَ حفظِ حقِّ الردِّ إلى القِمّةِ العربية، الثانيةُ وسَّعت المشاركةَ فيها، والثالثةُ وضَعت إطاراً لمُقرّراتِها. بارقِةُ الأملِ الآن، أنْ تُعقَدَ قِمّةٌ مِصرية / سعودية (سلمان والسيسي) على هامشِ اجتماعاتِ عَمّان لِمَحوِ سوءِ التفاهمِ القائمِ بين الدولتين إثرَ تصويتِ مِصر ضدَّ السعوديّةِ في مجلسِ الأمنِ الدوليِّ لصالحِ مشروعٍ روسيٍّ يتعلَّق بسوريا (08 تشرين الأول 2016)؛ فلَعَلَّ هذه المصالحةَ بين قُطبَي العروبةِ تُنقِذ أعمالَ قِمّةٍ لا تَتوافَر لها الظروفُ الموضوعيّةُ لتَّتِخذَ قراراتٍ على مستوى الوضعِ المضطَرِب.
بين آخِر قِمّةٍ عربيةٍ في موريتانيا (25 و26 تموز الماضي) وقِـمّةِ الأردن اليوم (28 و29 آذار الجاري) ثمانيةُ أشهرٍ تَميّزت بتحوّلاتٍ نوعيّةٍ في الشرقِ والعالم. أبرزُ هذه التحوّلات: معركةُ حلَب، استدراجُ لبنانَ نحو المدارِ الإيرانيّ، الدخولُ الأميركيّ والتركيّ العسكريّ إلى سوريا، تَقدُّمُ معركةِ إسقاطِ داعِش والنصرةِ في سوريا والعراق، إخفاقُ مساعي التقريبِ بين السعوديّةِ وإيران، انتخابُ رئيسٍ أميركيٍّ فريدٍ من نَوعِه يُزمِعُ إعادةَ النظرِ بأهمِّ مُرتكزَين للسلامِ في المِنطَقة (الاتفاقُ النوويّ الإيراني وحلُّ الدولتين بين فلسطين وإسرائيل)، انتشارٌ مكَثَّفٌ للإرهابِ التكفيريِّ في العالم، المصالحةُ بين روسيا وتركيا، اهتزازُ الوِحدةِ الأوروبيّةِ بانسحابِ بريطانيا، اتفاقٌ على تقليصِ إنتاجِ النَفط، انعقادُ مؤتمرَين لا مؤتمرٍ واحِدٍ بشأنِ سوريا (أستانا وجنيف)، وانتخابُ أمينٍ عامٍّ جديدٍ للأممِ المتّحدة.
لذا، يُفتَرض بالقادةِ العربِ أن يُبلوِروا موقِفاً عربيّاً حِيالَ قضايا المِنطقةِ السياسيّةِ والاقتصاديّةِ والأمنيّةِ والاستراتيجيّةِ وأن يُصدروا مواقفَ بشأن: القضيةِ الفلسطينيّةِ، الحربِ السوريّةِ بأوجُهِها الأربعة (النظامُ، الارهابُ، النازحونُ والتدخّلُ الأجنبيّ العسكريّ فيها)، التمدُّدِ الإيرانيُّ في العالمِ العربيّ، الامتدادِ التركيِّ في سوريا والعراق، مأساةِ النازحين السوريّين وأزمةِ الدولِ المُضيفة، مصيرِ الثرواتِ والثوراتِ العربيّة، وكيفيةِ التعاطي مع المجتمعِ الدوليِّ الجديد.
طريقةُ مقاربةِ هذه القضايا، تبيِّنُ ما إذا كانت الأنظمةُ العربيّةُ الحاليّةُ قادرةً على التمَوْضُعِ من جديدٍ كمحاورٍ للمجتمعِ الدوليّ وإقامةِ عَلاقاتِ شراكةٍ استراتيجيّةٍ معه مِن جهةٍ، وعلى استعادةِ ثقةِ شعوبِها الضائعةِ بين الأنظمةِ القائمةِ والثوراتِ الجانحةِ من جهةٍ أخرى.
لكنْ إلى أيِّ مدى يُمكن للقادةِ العربِ أن يتَّفقوا على مواقفَ عمليةٍ حيالَ هذه القضايا والتحديات، خصوصاً وأنَّ هذه قِمَّةُ كلِّ الدولِ العربيّةِ المتخاصِمةِ وليست فقط قِمَّةَ دولِ مجلسِ التعاونِ الخليجيّ المتفاهِمة؟
لا شكَّ أنَّ الحاضِرَين الأكبرَين في قِمّةِ الأردن هما سوريا وإيران. وإذا كانت طبيعةُ المعاركِ الجاريةِ في سوريا ـ ونحن عشيَّةَ معركةِ «الرَقَّة» ـ تَستبعِدُ إعادةَ النظامِ السوريِّ إلى أحضانِ جامعةِ الدولِ العربيّة (ويَا لها مِن أحضان)، فتَوسُّع إيران المتزايدُ في قلبِ العالمِ العربيِّ يُحتِّم تحديدَ موقفٍ واضحٍ منها، خصوصاً وأنَّ الإيرانيّين يَتحضَّرون للانتخاباتِ الرئاسيّةِ في أيار المقبل.
إن القادةَ العربَ أمامَ احتمالين: توجيهُ رسالةِ تَـفاوضٍ إلى إيران بغيةَ تسويةِ العَلاقاتِ المتوتّرةِ جدّاً، أو تأمينُ تغطيةٍ للإدارةِ الأميركيّةِ الجديدةِ ضدَّ إيران. بتعبير آخر، أتكونُ قِمّةُ عَمّان قِمّةَ ردِّ التحدّي أم قِمّةَ فتحِ الحِوار؟ المُرجَّحُ أنها ستكون قِمَّة ردِّ التَحدّي مع تحفُّظات البعض.
استناداً إلى المعطيات، تَرغب دولُ الخليجِ شدَّ العصَبِ العربيِّ ضدَّ الدورِ الإيرانيِّ والحدَّ منه في العراقِ وسوريا في ضوءِ القضاءِ على دولة داعِش والسياسةِ الأميركيّة الجديدة. لكنَّ تقريرَ مصيرِ الدورِ الإيراني في المشرِقِ العربيِّ ليس قراراً عربيّاً، بل هو قرارٌ أميركيّ / روسيَ.
ومِعيارُ موقِفِ الدولتين الكبريَين يَتعدّى المصالحَ العربيّةَ إلى مصالحِهما الثنائية. من هنا إنَّ التصلُّبَ العربيَّ من شأنِه أن يُعقِّدَ العَلاقاتِ مع إيران أكثرَ ما هي مُعقَّدة ومن دونِ أن يؤثِّرَ على القرارِ الروسيِّ / الأميركيّ.
والدليلُ على ذلك، أنَّ معارضةَ العربِ لمشروعِ الاتفاقِ النوويِّ بين الغرب وإيران، ومعارضَتَهم التدخّلَ الإيرانيِّ في شؤونِ الدولِ العربيّةِ، لم يَمنعا أميركا من توقيعِ الاتفاقِ النوويِّ مع إيران ولا روسيا من التنسيقِ معها في سوريا.
ليتَ لبنانَ يستطيع أن يَلعَبَ بعدُ دورَه التاريخيَّ بين الدولِ العربية، وبين العربِ وإيران، فيدخُلُ رئيسُه القِمّةَ لا ممثِّلاً لإيران على حسابِ انتماءِ لبنانَ العربيّ ولا منحازاً كُلّياً إلى دولِ الخليجِ على حسابِ دورِه الحِيادي، فيحْظى بتضامنٍ عربيٍّ افتقَدَه مؤخّراً.
لبنانُ الذي نَتطلَّعُ حضورَه في قِمّةِ الأردن هو لبنانُ بيانِ الحكومةِ الاستقلاليّةِ الأولى الذي تلاه رياضُ الصلح، لبنانُ الوطنُ النهائيُّ الذي وَردَ في اتفاقِ الطائف، لبنانُ مصالحةِ الجبل، لبنانُ التحريرِ والشهداء، لبنانُ «إعلانِ بعبدا» الذي وافقَ عليه كلُّ الأطرافِ المشارِكةِ في هيئةِ الحوارِ الوطنيّ، لبنانُ خِطابِ القسَمِ، لبنانُ الخارجُ من شغورٍ رئاسيٍّ على ألا يَدخُلِ في شغورٍ آخَر، «لبنانُ الخارجُ من حروبِ الآخَرين على أرضِه من دونِ دخولِه حروبِ الآخَرين على أراضيهم» (عنوانُ مقالتي في جريدةِ السفير 05 نيسان 2013).
لبنانُ هذا قادرٌ على لَعبِ دورٍ ناجحٍ في قِمّةِ عَـمّان لثلاثةِ أسبابٍ على الأقل. الأولُ: نوعيّةُ وفدِه حيث يَحضُر رئيسُ الحكومةِ الوطنيُّ إلى جانبِ رئيسِ جُمهوريَّتِه القويِّ.
الثاني: نَوعيّةُ عطاءاتِه إذ لا يستطيعُ أحدٌ أن يزايدَ عليه بالعروبةِ والديمقراطيّةِ والانتصارِ على إسرائيلِ وباحتضانِ اللاجئينَ الفلسطينيّين وبإيواءِ النازحينَ السوريّين.
والثالثُ: نَوعيّةُ تسويتِه الرئاسيّةِ إذ أن التلاقي السعوديَّ الإيرانيَّ حولَ لبنانَ الذي أنهى الشغورَ الرئاسيَّ في الخريفِ الماضي، يُمكن أن يكونَ قُدوةً لتلاقٍ أخَرَ بينهما حول قضايا المِنطقة هذه المرّة. الأملُ جائزٌ والخيبةُ أيضاً