بين ادارة أوباما والحكومات الخليجية قراءة وتحليل مختلفان للهمّ الإيراني الجاثم على المنطقة. لا سرّ في ذلك. ولا تخفف العبارات الديبلوماسية من قبل الجانبين حقيقة هذه القراءة المختلفة. ولا شك ان هذا الهمّ سيطغى على لقاءات المسؤولين الخليجيين مع الرئيس أوباما وفريقه اليوم وغداً في البيت الابيض وكامب ديفيد، وهي لقاءات يفترض ان تكون فرصة لمصارحة بين الفريقين تتناول التحفظات والهواجس، كي لا تبقى عرضة للتأويلات الاعلامية والتوقعات المغلوطة.
غير انه سيكون من الصعب، في هذه الفترة المتأخرة من ولاية أوباما، ان ننتظر تغييراً جذرياً في فهم الرئيس الاميركي وتحليله لأوضاع المنطقة وللمخاطر المحدقة بها، وعلى الاخص مشروعه القائم على المصالحة مع ايران انطلاقاً من اغلاق ملفها النووي. ففي هذا المجال هناك اختلاف حقيقي بين نظرية أوباما ومخاوف دول الخليج، وهو اختلاف لا بأس من عرضه على طاولة النقاش لمحاولة اقناع الجانب الاميركي بالمخاطر التي تنطوي عليها المصالحة مع ايران على امن المنطقة، اذا لم ترافق هذه المصالحة التزامات وتعهدات ايرانية بوقف التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.
تراهن ادارة أوباما على ما تسمّيها «القوى المعتدلة» في قمة الهرم الايراني، التي ترغب في اعادة الانضمام الى الاسرة الدولية والتحرك في اتجاه مختلف عما كانت عليه ايران لفترة طويلة من الزمن. هذه الرؤية عبّر عنها اوباما بوضوح في حديثه الشهير الى «نيويورك تايمز» في 5 نيسان (ابريل) الماضي. اما دول الخليج فلا ترى في وصول حسن روحاني وفريقه الى الحكم في طهران سوى محاولة من المرشد الاعلى علي خامنئي و»الحرس الثوري» لتسويق ايران دولياً، من دون ان يؤدي ذلك الى تغيير في ايديولوجية الجمهورية الاسلامية، او ان يخفف من الاندفاع الاقليمي لإيران في دول الاقليم التي تنشط فيها. وما يؤكد هذا الواقع ان الدور الايراني لم يشهد أي تغيير أو تراجع منذ تولي روحاني الرئاسة، بل على العكس، فقد اتسع نفوذ ايران في سورية والعراق ولبنان والآن في اليمن. وبعد ان كان القادة الايرانيون يترددون في الكشف عن توظيف نفوذهم في هذه الدول، نجدهم اليوم يفاخرون بذلك، على ما أكد قائد «الحرس الثوري» اللواء محمد علي جعفري أخيراً من ان «مشروع تصدير الثورة الايرانية الى الخارج يسير بشكل جيد ونحن نشهد صحوة ومقاومة اسلاميتين». وفي الاشارة الى اليمن وصعود الحركة الحوثية يعترف جعفري بأن «ايران هي التي صنعت المقاومة اليمنية، التي هي أحدث انجاز للثورة الاسلامية». واذا كان من استنتاج منطقي لذلك فهو ان «الحرس الثوري» هو الذي يدير سياسة ايران في الاقليم، وليس روحاني او وزير خارجيته محمد جواد ظريف، المكلفان بوظيفة ادارة العلاقات العامة وتوزيع الابتسامات بين العواصم الغربية.
هذا الاندفاع الايراني المسكوت عنه اميركياً هو العنوان الابرز للهاجس الخليجي على الخصوص والعربي عموماً. ويجري كل ذلك فيما تسير ادارة أوباما بصورة حثيثة نحو توقيع الاتفاق النووي مع ايران، متوهمة ان هذا الاتفاق سيلجم القوة الايرانية ويعزز موقع «المعتدلين» في طهران. غير ان الرد البديهي على ذلك انه اذا كانت ايران المحاصرة بالعقوبات والمنقطعة عن معظم العالم تتحرك الآن في الاقليم بهذه الطريقة المعادية لانظمة المنطقة ولمصالح شعوبها، فكيف سيكون الحال عندما تتحرر ايران من هذه القيود وتستعيد موقعها الدولي؟
ربما كان مغرياً لادارة أوباما ان تعرض ضمانات أمنية على دول الخليج في مقابل التغيير الذي تعمل هذه الادارة عل انجازه في علاقاتها مع ايران. لكن السؤال يبقى عن فائدة ضمانات كهذه اذا لم يرافقها تغيير حقيقي في نظرة واشنطن الى المشروع الايراني وأهدافه.
مرة أخرى… ربما فات الأوان على ذلك.