تمضي كل من واشنطن وموسكو في التحضير لمؤتمر وقمّة ليبدو أنهما في مواجهة حتمية. فالأولى تحضّر لـ«مؤتمر وارسو» للإعلان عن حلفٍ دولي ضد إيران. والثانية تحضّر لقمّةٍ ثلاثية في سوتشي تجمعها مع انقرة وطهران. وعلى رغم الإختلاف بين هدفيهما يواجه الطرفان معاناة قاسية مع حلفائهما. فما الذي يقود الى هذه النظرية والى ما يمكن أن تؤدّي؟
على مسافة أربعة أيام من «مؤتمر وارسو» الذي دعت اليه واشنطن تحت عنوان «مؤتمر السلام والأمن في الشرق الأوسط» المقرَّر برعاية أميركية – بولندية في 13 و 14 الجاري، بهدف تجميع حلفائها القدامى والجدد في مواجهة ايران وحلفائها، تنشغل العاصمة الروسية بتتويج مجموعة اللقاءات الثنائية التي جمعت الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بكل من نظيرَيه التركي رجب الطيب اردوغان والإيراني حسن روحاني، في قمة ثلاثية اختار لها موعداً في 14 شباط الجاري أيضاً.
وفي وقت لم يفضِ لقاؤه مع اردوغان الى تفاهم نهائي بينهما على بعض القضايا المشتركة في سوريا، وخصوصاً في الشمال السوري وعلى وقع عرض إيراني بالوساطة بين انقرة ودمشق.
وإذا كانت التقارير الديبلوماسية لم تتناول بعد ما هو منتظر من الحدثين، فإنّ مجملها تتناول الصعوبات التي تواجه العاصمتين لتوحيد مواقف حلفائهما حول الهدف المقصود من تحرّك كل منهما والتي يمكن مقاربتها كالآتي:
في ما يتصل بالصعوبات التي تواجه واشنطن يمكن الإشارة الى:
– حجم الخلافات القائمة بين واشنطن ومجموعة دول الإتحاد الأوروبي من ملف العقوبات على ايران. فرؤية دول الإتحاد واقتناع عدد منها بالتزام طهران مقتضيات التفاهم المعقود بينها وبين مجموعة الدول (5+1) في 14 تموز 2015، لكنّ واشنطن لا ترى أنّ ايران التزمت أيَّاً منهما وخصوصاً في ما يتعلق بتصنيع الصواريخ البالستية لمنع تطويرها قبل إطلاق يدها بعد العام 2025 تاريخ العبور الى المرحلة الثانية من التفاهم النووي.
– لم تتيقن واشنطن بعد من قدرة حلفائها على المواجهة مع ايران، لا في لبنان ولا في اليمن ولا في سوريا ولا في العراق ولا في ايّ ساحة أخرى على رغم الإستعدادات السعودية والخليجية لمثل هذه المواجهة.
وزاد في الطين بلة الخلاف السعودي – القطري الذي أعاد ايران الى بوابة الخليج العربي القطرية تزامناً مع نشوء الحلف القطري – التركي الذي أدّى الى إقامة قاعدة تركية صغيرة الى جانب «قاعدة العديد» الأميركية على الاراضي القطرية.
– لا تخفي واشنطن غضبها من التحرّر التركي من بعض الإتفاقات العسكرية معها ودول «الحلف الأطلسي» منذ إحباط الإنقلاب الذي استهدف نظام اردوغان، وتحميلها مسؤولية حماية وإيواء الداعية التركي فتح الله غولن الذي تحمّله انقرة مسؤولية التحريض على الإنقلاب.
اما العقبات التي تواجه موسكو قبيل قمة سوتشي فيمكن اختصارها بالوقائع الآتية:
– بوادر تفكّك التفاهمات التركية ـ الروسية في شأن «المنطقة الآمنة» في شمال سوريا نتيحة إصرار تركيا على إدارتها وحيدة من دون ايّ شريك وسط الإستعدادات التركية للسيطرة على المنطقة إن أخلتها واشنطن.
– عدم قدرة موسكو على الإيفاء بالتزاماتها تجاه اسرائيل بسحب القوات الإيرانية من الجنوب السوري، والذي شجّع على استئناف إسرائيل ضرباتها ضد القواعد الإيرانية وحلفائها في محيط دمشق وجنوبها قبالة الجولان المحتل.
– عدم قدرة موسكو على إثبات أنّ إنسحاب القوات الأميركية حاصل ضمن المهلة التي تحدّث عنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، خصوصاً بعد التقارير التي تحدثت عن بقائها في قاعدة التنف على الأقل.
وتأسيساً على هذه الملاحظات يبدو للوهلة الأولى أنّ «الحرب الباردة» تجدّدت. فتحديد موعد «قمة سوتشي» بالتزامن مع «مؤتمر وارسو» ليس بريئاً ولا بالمصادفة. فالشكوك ما زالت قائمة حول وجود قرار روسي بالمواجهة مع واشنطن أو العكس.
فليس هناك ما يوحي أنّ الجبّارَين ينويان الخوض في مواجهات عسكرية مباشرة كرمى لعيون أحد من القوى المحلية، وأنّ أيَّ تفاهم بينهما يمكن أن يتمّ في أيِّ لحظة على تقاسم مواقع النفوذ وثروات المنطقة سيطيح مصالح القوى الإقليمية.