دعونا من التسميات… لا هي “قمة الفرحة” كما سمّاها عبد اللطيف الزياني، ولا هي “قمة المصالحة” كما سمّاها نبيل العربي، انها قمة خليجية تعقد وسط سلسلة من الحرائق والتحديات الكبيرة التي تجتاح المنطقة من المحيط الى الخليج، قمة على حافة براكين.
المصالحة حصلت في الرياض بهندسة من امير الكويت ومباركة من خادم الحرمين الشريفين وحماسة من امير قطر، ولقد قيل ان الخلاف الذي عصف بالصف الخليجي أصبح من الماضي، لكن المهم كيف سيكون تعاون الأسرة الخليجية بعد اليوم، والقول انها أُسرة تمليها التحديات الواحدة التي تواجه دول المجلس والمصلحة الواحدة التي تهم الجميع.
لا يكفي ان يقول الشيخ تميم ان روح التعاون الصادق تتطلب رؤية موحدة في كل القضايا وان وحدة الخليج ولحمته شيء مصيري، لأن تنفيذ هذه الرغبات والطموحات يتطلب في النهاية السعي للارتقاء من مرتبة التعاون الى مرتبة تفضي الى الاتحاد المتين، ونحن العرب لم ننجح بعد في إرساء الوحدة قومياً او اقليمياً على قواعد ثابتة وراسخة.
هكذا كانت القمة الخامسة والثلاثون التي استضافتها الدوحة امس وسط بهرجة كبيرة، مناسبة لا لتكريس أسس المصالحة الخليجية فحسب، بل للتعامل مع مجموعة من الملفات الساخنة التي تقرع ابواب دول المجلس وتقضّ مضاجعها ايضاً:
أولاً – موضوع الأمن الذي يطلّ على دول المجلس من بوابات كثيرة بما له من أخطار مقلقة، وبما يتطلّب من تنسيق عميق وسهر على مدار الساعة، وفي هذا السياق لم يعد الأمر يقتصر على تدخّل الأصابع الايرانية في دول الخليج، بعدما صارت الأيدي الايرانية ترفع الرايات عند باب المندب عبر الحوثيين في اليمن.
وليس خافياً ما يمثّله هذا الاندفاع الذي أسقط ما سمّي “الحل اليمني”، من تهديد داهم يواجه الحدود السعودية الجنوبية، ويندفع عبر البحر الأحمر الى الضفة المصرية في الجنوب الغربي، وليس من المغالاة القول ان أمن مصر من أمن الخليج والعكس صحيح.
ثانياً – مواجهة “داعش” حتى في داخل دول المجلس، والتهديد هنا ليس أمنياً في مواجهة عناصر الارهاب فحسب، بل في مواجهة الفكر الضالّ والشاذ الذي يمكن ان يجد له نوعاً من المقبولية ولو محدودة داخل الدول الخليجية.
ثالثاً – الاستمرار في مواجهة “الاخوان المسلمين” الذين كانوا سبباً في الخلاف الخليجي مع قطر، والذين شكّلوا نواة راهنت اميركا عليها لقلب الأنظمة وإقامة حوض إقليمي للإسلام السياسي، وليس خافياً ايضاً انهم يملكون نوعاً من البيئة الخليجية الحاضنة.
رابعاً – تراجع اسعار النفط وما يمكن ان يعكس من فرملة الاهتمام بمطالب المواطن الخليجي التي تشكّل اساس مناعته في مواجهة العواصف والإغراءات من حوله.