تقضي الشجاعة الأدبية أن نعترف بأن المملكة العربية السعودية قد ربحت «حربها» التي شنتها، من دون مبررات مقنعة، على إيران بعنوان «الحوثيين» في اليمن، فحشدت خلفها معظم الدول العربية، إضافة إلى باكستان وتركيا، وتوّجت نجاحها في القمة العربية السادسة والعشرين في شرم الشيخ وسط احتفالية ملكية مهيبة.
لا تهم التفاصيل، كالقول مثلاً إن شرم الشيخ ليست القاهرة، وإن الجامعة العربية في ذلك المنتجع المستنبت عند مدخل البحر الأحمر إلى خليج العقبة ليست هي هي الجامعة العربية في قلب القاهرة والتي شيد مبناها على أنقاض معسكرات الاحتلال البريطاني لمصر بعد إجلائه عنها في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي..
.. أو القول، مثلاً، إن السعودية (ومن معها) قد نجحت في تحويل القمة العربية إلى «مجلس حربي» وفرضت عليه بنداً وحيداً كجدول أعمال هو: ضرورة مواجهة «الغزو الإيراني» لشبه الجزيرة العربية عبر خاصرتها اليمنية، ذات الأهمية الاستراتيجية القصوى نظراً لكونها تجمع إلى بحر العرب بقاعدته عدن مضيق باب المندب الذي يتحكم بالملاحة البحرية في المحيطين الأطلسي والهندي فضلاً عن هيمنته على الحركة من وإلى البحر الأبيض المتوسط عبر قناة السويس..
ولا تهم الإشارة إلى التزامن بين هذه «الحرب العربية» على إيران وبين أرجحية وصول المفاوضات النووية معها والتي تقودها الولايات المتحدة ومعها دول الغرب إلى اتفاق يمكن أن يكون نقطة بداية لمرحلة جديدة في سياسات المنطقة والعالم.
.. ولا يهم التنبيه إلى أن الحرب السعودية الجديدة قد طمست قضية فلسطين وأسقطت مخاطر الاحتلال الإسرائيلي على الأمن القومي العربي، برغم أن المعركة الانتخابية الجديدة لبنيامين نتنياهو قد جرت تحت شعار «إسرائيل دولة يهود العالم»… ولقد ساهمت السلطة الفلسطينية في التخفف من أثقال قضيتها المقدسة حين قدمت عليها ـ تلبية للرغبة الملكية، ومن دون طلب ـ قضية «الخطر الحوثي» على سلامة الأمة (وهو ما يتجاوز مطامح هذه الشريحة من فقراء اليمنيين ذوي النسب الشريف)..
وفي سابق العصر والأوان كان لقضية فلسطين موقع الصدارة في أي بيان وكل بيان يصدر عن القمة، أما في قمة شرم الشيخ فقد تم تأخير القضية الفلسطينية ليتقدم عليها «المنزلق الذي كاد اليمن أن يهوي إليه، وهو ما استدعى تحركاً عربياً ودولياً فاعلاً بعد استنفاد كل السبل المتاحة للوصول إلى حل سلمي ينهي الانقلاب الحوثي ويعيد الشرعية، وسيستمر إلى أن تنسحب الميليشيات الحوثية وتسليم أسلحتها ويعود اليمن قوياً موحداً»… بعد ذلك، تطل «محورية القضية الفلسطينية كونها قضية كل عربي، فسيظل التأييد العربي التاريخي قائماً حتى يحصل الشعب الفلسطيني على كامل حقوقه المشروعة والثابتة…».
من المصادفات القدرية أن قمة شرم الشيخ قد انعقدت في الذكرى السبعين لإنشاء جامعة الدول العربية، ولهذه المناسبة جدد المشاركون فيها «التزامنا بمقاصد الزعماء والقادة المؤسسين، من ضرورة توثيق الصلات بين الدول الأعضاء وتنسيق خططها السياسية، تحقيقاً للتعاون بينها، وصيانة لاستقلالها وسيادتها، ومحافظة على تراثها المشترك..».
بعد سبعين عاماً من إنشاء الجامعة «يستشعر أهل القمة أن الأمن القومي العربي قد بات تحت تهديدات متعددة الأبعاد، فبنيان الدولة وصيانة أراضيها قد أضحيا محل استهداف في أقطار عربية عديدة، ونتابع بقلق اصطدام مفهوم الدولة الحديثة العربية بمشاريع هدامة تنتقص من مفهوم الدولة الوطنية وتفرغ القضايا العربية من مضامينها وتمس بالتنوع العرقي والديني والطائفي، وتوظفه في صراعات دموية برعاية أطراف خارجية ستعاني هي نفسها من تدمير كل موروث حضاري كان لشعوب المنطقة دور رئيسي في بنائه..».
تمكن قراءة هذه الكلمات على أنها إعلان حرب على مجهول ـ معلوم… وكأن القمة السابعة والعشرين قد تحولت إلى مجلس حرب يمهد لحملة شاملة ضد إيران.
وتمكن قراءة البيان كاملاً على أنه استنفار لفقراء العرب كي يخوضوا حرباً شرسة لحماية أغنياء العرب، وذلك باستحضار العصبية المذهبية بذريعة إيران، فتكون القيادة لمصر وأرض التدريب في السودان، أما المقاتلون فيمكن جمعهم من هذين البلدين ومعهما المغرب وسائر الأقطار الفقيرة، ولتنتظر فلسطين إنجاز هذه المهمة المباركة الجليلة.
إنها الحرب المذهبية بقرار من القمة العربية..
ومع فائق الاحترام لفقراء اليمن، من زيود وشوافع، فإنهم أضعف بكثير من أن تحتاج الحرب عليهم كل هذا الحشد من أبناء الأقطار الفقيرة، كما اليمن، وربما أكثر منها، وكل هذه الأساطيل في البحر والجو، إضافة إلى الجيوش المذهبة لدول الجزيرة والخليج، في «عاصفة الحزم» المستوحاة من قصيدة لمؤسس السعودية الملك عبد العزيز.
إنها المذهبية في القمة. يمكن لنتنياهو أن يشكل حكومته مرتاحاً لعصر بلا حروب لأن «أعداءه السابقين» مشغولون عنه بعدوهم الجديد داخل الدين الحنيف!