حظيَ طقس المنطقة وأمطارها الغزيرة باهتمام أكبر بكثير ممّا حظيت به القمّة العربيّة التي انعقدت بالأمس، حتى صور الرؤساء العرب وهم نيام لم تعد مادّة تندّر وضحك، ولم تعدّ مادة يتداولها المواطنون العرب عبر مواقع التواصل الإجتماعي، فقط إطلاق تسمية «قمّة العزم والتضامن» على قمّة تونس حرّك شهيّة الثرثرة حول عزم العرب وتضامنهم، ربما حان الوقت لدفن هذه القمم الوقحة التي لا تخجل من الشعوب العربيّة ولا من نفسها!
أيّ تضامن يدّعيه العرب المشرذمون الذين يتآمرون على بعضهم البعض، من المؤسف أنّ حال العرب اليوم لا يختلف أبداً عن حالهم قبل ألف وخمسماية عام زمن «داحس والغبراء»، ويدفن العرب رؤوسهم في الرّمل عندما يصدرون بياناً يطالبون فيه إيران وتركيا بعدم التدّخل بالشؤون العربيّة، مع أنّ الذين يستدعون هذه التدخّلات ويشرّعون لها الأبواب كانوا يجلسون على مائدة القمّة، في الأساس العرب أنفسهم غضوا النّظر عن هذا التدخل وتركوا الباب موارباً «وطرمخوا» عن العلاقة الحميمة التي نسجها نظام الأسد الأب مع الخميني نكاية بصدام حسين والبعث العراقي في الوقت الذي كان جيش العراق وصدام حسين يخوض الحرب بالنيابة عن كلّ دول الخليج العربي، وبنفس الأسلوب غضوا النظر عن تحويل البقاع اللبناني برعاية سوريّة أرض تدريب للحرس الثوري الإيراني لإرسال الشيعة العرب ليموتوا في الحرب العراقية ـ الإيرانيّة، هذا نموذج واحد من حال التآمر العربي على النّفس!
أطرف ما أعلنته قمّة «العزم والتضامن» بالأمس أنّ «الجولان محتلّة»، «لا يا شيخ»، أكثر من نصف قرن والجولان تم تسليمه عن سابق تصوّر وتصميم عام 1967 لإسرائيل وقبض ثمن الجولان استمراراً أسديّاً في حكم سوريا حتى اليوم، لم تطلق رصاصة واحدة لتحرير الجولان، ومع هذا يتبارى العرب منذ إعلان دونالد ترامب السخيف بالاستنكار والشجب وهكذا، مؤسفٌ الحال العربية، لا تخجل القيادات العربيّة من الحديث عن حلّ القضية الفلسطينيّة وتأكيد قيام دولة فلسطينيّة عاصمتها «القدس الشرقيّة» فيما المتورطون حتى النخاع في»صفقة القرن» كانوا يجلسون الى مائدة القمّة!
وفي الحديث عن «العزم والتضامن» نظرة على الرؤساء العرب تجعل المواطن العربي يتحسّر على «العزم» الذي «يشرقط» في قمّة تونس، أي عزم يرتجى من رئاسة في الثالثة والتسعين من العمر وقس على ذلك، مضحك مبكٍ حال العرب الذين يتعذّر عليهم أن يجدوا رئيساً بديلاً عن رئيس يحكمهم، نظرة على مأساة الجزائر تكفي لفضح الواقع العربي، عجز «عبد العزيز بوتفليقة» والفشل حتى الآن في إعلان انتخابات رئاسية لاختيار بديل!
لا يوجد مواطن عربي واحد حتى في الصومال صدّق حرفاً ممّا قاله أو ادّعى الرؤساء العرب أنهم اتفقوا عليه، لا عن «تخليص المنطقة من جميع الأزمات أصبح حاجة ملحة لا تنتظر التأجيل»، أو الحديث عن « تجاوز الخلافات»، لم يخجل القادة العرب بالأمس من القول إنّ «بعض التحديات التي تواجه بعض البلدان العربية بعضها متراكم، وهو إرث من التحرر الوطني وقيام الجامعة العربية»، «روحوا طمّوا حالكم»!
هذه الجثّة العربيّة المسمّاة «قمّة» أنتنت، إرحموا الشعوب العربيّة من رائحتها الكريهة، بات من الملحّ صرف النّظر عن المسمّاة جامعة الدول العربية والتي أنشئت برغبة المستعمر البريطاني وطلبٍ منه، وأنشئت خصيصاً لتسليم فلسطين للعصابات الصهيونيّة وتكريسها وطناً قوميّاً لليهود، إسرائيل قامت بتآمر من الدول العربيّة وجامعتها، إرجعوا إلى القمة التي انعقدت من أجل فلسطين وأعلن بيانها أنّ المجتمعون اتخذوا قرارات سريّة، يا للعار من أربعينات القرن الماضي وحتى اليوم لا يزال هؤلاء يكذبون علينا ويدّعون العمل لمصلحة البلدان والشعوب العربيّة، يا للعار!