بعدما أنجز العماد ميشال عون تفاهمه الرئاسي الأصعب مع الرئيس سعد الحريري وهو الذي يتّكئ على تحالفه المتين مع «حزب الله»، باشر بانتهاج خطة جديدة تسمح بمساعدة الحريري في تأمين تسويق خياره الرئاسي الجديد، و«حزب الله» من خلال تعبيد الطريق بين الرابية وعين التينة.
قد يعتقد البعض أنّ هذه المهمة تبدو شكلية، وبالتالي لا داعي للقلق إزاء تأمين نجاح ولادة الخيار الجديد، لكنّ الحقيقة لا تبدو كذلك. فصحيح أنّ العقد المتبقية لا تبدو جوهرية لكنها قادرة على نسف الخيار برمّته إذا لم يحسن عون معالجتها.
وبدا ذلك واضحاً مع كلام عون الاخير حيث سعى إلى استمالة وطمأنة الشارع السنّي الذي يكاد يحاصر الحريري. ومن خلف هذا الشارع، المملكة العربية السعودية عبر التمسك بـ»اتفاق الطائف». وفي الشق الثاني إرسال رسائل إيجابية للعقدة الاهم والاصعب وهي عقدة الرئيس نبيه برّي.
ما يعني وبخلاف المستعجلين أنه لا يزال هنالك الكثير من الوقت قبل تصاعد الدخان الابيض وقد لا تكون المهلة الفاصلة عن موعد الجلسة المحدّدة نهاية هذا الشهر كافية لإنجاز المهمة المطلوبة.
فعلى الجانب السنّي، هناك موقف السعودية اضافة الى واقع الشارع السنّي وبالتالي الكتلة النيابية للحريري.
على مستوى السعودية، التقى الحريري خلال زيارته الاخيرة منذ بضعة أيام احد كبار المسؤولين السعوديين، وأبقي هذا الاجتماع طيّ الكتمان. وحسب مصادر ديبلوماسية مطلعة فإنّ الحريري عاد وسمع الموقف السعودي نفسه والمرتكز على فكرة أنّ السعودية توافق وتبارك كلّ ما يجمع عليه اللبنانيون.
وإن كان هذا الكلام لا يحمل جديداً، إلّا أنّ تفسير الحريري له يبقى ايجاباً ذلك أنّ السعودية التي دعمت وسارت في خيار النائب سليمان فرنجية فوجئت لا بل صدمت باعتراض «حزب الله» عليه ما أدّى الى تجميده. يومها تلقّت السعودية نكسة معنوية.
واليوم وفي ظلّ واقع اليمن والصراع الديبلوماسي المحتدم مع الولايات المتحدة الاميركية، تبدو السعودية محشورة جداً واهتماماتها منصبّة على أولويات تطاول امنها الداخلي ومصالحها الحيوية واستقرارها، ما يعني وضعها الملف اللبناني في آخر سلم اهتماماتها. لكن هذا لا يعني إدارة الظهر لمصالحها السياسية في لبنان بالكامل.
لذلك فإنّ جوابها للحريري والذي يتّسم باللاجواب، إنما يعني أنّ الرياض لن تتدخل بوضوح كما في السابق بل إنها ستبقي على اللون الاصفر. فإذا ما نجح الخيار الجديد للحريري تباركه لاحقاً، أما اذا أُجهض كما حصل مع خيار فرنجية فهي لن تطاولها الارتدادات المعنوية السلبية.
لكنّ الفريق السنّي المناهض للحريري نقل خلال الساعات الماضية معلومات معاكسة تفيد بأنّ المسؤول السعودي الرفيع أبلغ الحريري تحفظ المملكة على الخيار القاضي بالسير بعون رئيساً للجمهورية، وعلى هذا الأساس يستعد هذا الفريق لهجوم سياسي داخلي معاكس يستند الى المزاج السنّي المعترض والغطاء السعودي الرافض، وهذا ما باشره وزير العدل اللواء أشرف ريفي.
وهنا تأتي النقطة الثانية الصعبة على المستوى السنّي والتي يحاول عون مساعدة الحريري على احتوائها. لكنّ البيئة السنّية المعارضة لخيار عون والتي يسعى خصوم الحريري لتوظيفها في إطار رسم إطار جديد للزعامات السنّية، انعكست بشكل خطير على كتلة الحريري النيابية لدرجة أنّ ثمة نواباً من اصحاب الوزن داخل الكتلة جاهروا بعصيان قرار الحريري الرئاسي الجديد حتى ولو أدّى ذلك لخروجهم من الكتلة، وأبرز هؤلاء الرئيس فؤاد السنيورة، والنواب احمد فتفت، سمير الجسر، محمد كبارة وغيرهم اضافة الى نائب رئيس المجلس النيابي فريد مكاري، وأهميّة المسألة هنا هي في البوانتاج الجاري وضعه.
فإذا ما بقي بري على موقفه ومعه النائب وليد جنبلاط فإنّ مجاهرة الحريري بخيار عون لن تعني ابداً أنّ الجلسة ستكون مضمونة، بل على العكس فإنّ «مفاجأة» فرنجية تصبح ممكنة جداً.
أما على ضفة الطرف الشيعي، فإنّ رسائل عون الايجابية تحتاج لمزيد من الجهود. صحيح أنها شكلت بداية ممتازة لكنها تحتاج لخطوات إضافية وهي زيارة قريبة للوزير جبران باسيل الى عين التينة تليها زيارة عون، ما سيفتح الباب عندها لـ»حزب الله» للتدخل وإقناع بري بالاهمية الاستراتيجية التي يؤمّنها وصول عون الى قصر بعبدا.
وإذا ما لاحظنا أنّ بري سيغيب هذا الشهر عن لبنان بسبب مشاركته في مؤتمر برلماني، فإنّ الاستنتاج الأوَلي يؤشر الى صعوبة إنجاز كلّ التفاهمات المطلوبة قبل نهاية هذا الشهر.
«حزب الله» يبدو متفائلاً بنهاية سعيدة ستظهر لا محال، لكنّ المسألة تحتاج لبعض الخطوات والمحطات الضرورية.
و«حزب الله» الذي أبقاه عون على بينة دائمة بكلّ اتصالاته حتى تلك التي حصلت سراً بين باسيل ونادر الحريري يبدو مطمئنّاً لخيار عون.
«لدينا ثقة كبيرة بالعماد عون» يقول مصدر بارز في «حزب الله»، ويضيف: «لدينا اكثر من عشر سنوات من التحالف معه لم نشهد خلالها ولا أيّ مرة أيّ إخلال ولو طفيف بجوهر هذا التحالف رغم صعوبة الظرف في بعض المحطات القاسية».
و«حزب الله» الذي تواصل معه فريق الحريري يبدو موافقاً على بعض الضمانات التي طلبها الحريري والتي ترتكز في جوهرها على ضمان استمرار الحكومة لاحقاً وعدم تطييرها على غرار ما حصل سابقاً. لكنّ السؤال الاهم يبقى حول الانتخابات النيابية المقبلة وهو ما يراهن عليه خصوم الحريري لإزاحته عن عرش الممثل الحصري للسنّة في لبنان.
عون قال إنه يمكن التفاهم على قانون جديد مع تيار «المستقبل»، ولكنّ في الكواليس همساً حول تفهّم عون لمطلب الحريري تأجيل الانتخابات النيابية لسنة اضافية تحت ذريعة «التأجيل التقني» لاستيعاب القانون الجديد للانتخابات فيما الهدف الفعلي إفساح الوقت امام الحريري كرئيس للحكومة لتعويض الخسائر الشعبية التي تلقّاها من خلال خدمات الحكومة.
لكنّ السؤال المهم ايضاً: كيف ستحصل تحالفات الانتخابات المقبلة؟ فلا أحد يوهم نفسه بأنّ تفاهم عون- الحريري حدوده رئاسة الجمهورية فقط، ذلك أنّ في ثناياه تفاهمات ابعد وصورة سياسية جديدة، وفي الوقت نفسه التزام عون بتحالف استراتيجي ومتين مع «حزب الله»، وبالتالي كيف سيجري التوفيق بين الخيارين في اللوائح الانتخابية؟ ووفق أيّ صورة سيجري إنتاج مجلس النواب المقبل خصوصاً أنّ الحرب مشتعلة لا بل مستعرة في سوريا والصراع السعودي- الإيراني في أوجّه.
منذ ايام، أشار مستشار رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني للشؤون الدولية حسين أمير عبد اللهيان إلى أنّ بلاده تدعم وصول عون الى رئاسة الجمهورية وأنّ السعودية موافقة على مسعى الحريري واعتبر كلامه بمثابة إشارة الموافقة على الحركة الحاصلة في هذا الإطار.
لكنّ الواقع الإقليمي أكثر تعقيداً، وهو ما اشار اليه وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف خلال استقباله الحريري، إذ تحدّث عن لبنان من خلال انتظار الحرب الدائرة في سوريا، وهذه نقطة يستوجب التوقف عندها ملياً.
كما أنّ الانتخابات الرئاسية الاميركية المقرّرة بعد شهر ستفصل بين سلوك اميركي ديبلوماسي أو آخر عنيف، ما يستوجب انتظار هذا الاستحقاق الكبير.
لذلك أيضاً قد يأخذ حلّ العقد المتبقّية بعض الوقت وربما أبعد من نهاية الشهر الجاري.