Site icon IMLebanon

إذلال السنية العربية!

في ظل معركة الفلوجة في العراق، ومعركة منبج، وربما غداً الرقة، في سورية، لا يستطيع المتأمل أن يطرد المعطى الماثل أمام العينين بقوة تفقأ العينين. فما بين قاسم سليماني و»الحشد» الذي يجري تمويهه بألف طريقة وطريقة في الفلوجة، والحضور المركزي للأكراد في منبج، تتعرض السنية العربية، حضوراً ولوناً، لمذبحة كبرى، مذبحة ربما رسمت ممراً إلى ما يوصف بالخرائط الجديدة، أو النظام الإقليمي الجديد.

ويتبدى، والحال هذه، كأن هذه السنية مطالبة بدفع كلفتين في آن معاً، كلفة الواقع المديد في المنطقة، الذي شرع يتداعى قبل سنوات خمس، وكلفة الثورات التي هبت في وجه هذا الواقع وانتهى بها الأمر إلى الفشل والاحتراب الأهلي. فالسنة العرب، بالتالي، يحاكَمون بوصفهم الحكام، كما يحاكَمون بوصفهم المحكومين. وما القوى الإيرانية والشيعية والكردية التي تتصدى لتأديبهم سوى تذكير حاد بهذه القسوة الخارجية في إنزال العقوبة الجماعية.

وإلى ذلك، عمل اللا نظام الدولي، ويعمل، على اشتقاق الصورة البديلة للمنطقة من حقيقة احترابها الأهلي، من دون أي حفول بأن تتولى تلك الصورة الموعودة إقفال تلك الحقيقة وسد ذرائعها.

وقد لا يكون من الافتئات أو المبالغة القول إن المصادر الضمنية التي تُستلهم اليوم هي بعض أسوأ المحطات في تاريخنا الحديث، أي المحطات التي يجوز اعتبارها جَدّاً أعلى لتفاقم النزاعات الأهلية وللحركات التكفيرية والإرهابية التي يراد القضاء عليها، خصوصاً منها «داعش».

ففي العراق، تكرس، بوعي أو من دون وعي، لحظة 2003، لا بوصفها ضربة الإطاحة بالاستبداد الصدّامي السني، بل بوصفها منصة التأسيس للاستبداد الشيعي المتخم بالولاء الذيلي لإيران. وفي سورية، وأيضاً بوعي أو من دونه، يكرس صعود الأقليات في الحياة السياسية، البادىء في 1949 والمتصاعد تدريجاً، لا بوصفه إحقاقاً لحق ديموقراطي ومساواتي، بل بوصفه نتاج الانقلاب العسكري الذي حكم النعال طويلاً برقاب المواطنين.

فليس بالثأر والانتقام واستبدال غلبة جلفة بغلبة جلفة يُصنع المستقبل. أما المستقبل الذي يصنع بأدوات كهذه، فسريعاً ما يرتد إلى مواض كهفية سحيقة وإلى أنهار من دم.

وارتداد كهذا لن يعدم أشكاله ووسائله الكثيرة والبشعة التي تحتج على ما يراد فرضه، ابتداء بتعاظم الإرهاب وتوسع رقعته، وليس انتهاء بنجاحه في قطف التعاطف الشعبي، إن لم يكن التماهي الشعبي معه. وفي آخر المطاف فإن أدنى المعرفة بهذه المنطقة وتوازناتها السكانية، الطائفية والإثنية، يرسم مشاريع الحلول الراهنة بوصفها مشاريع مضادة للطبيعة وعادمة لكل استقرار ممكن.

وما من شك في أن إيران تعرف هذا، وتدرك محدودية قدرتها على الإمساك بالمشرق العربي. لكنْ ما من شك أيضاً في أن ما تتكبده حتى اليوم محدود وقابل للتحمل. فإذا ما تعاظمت الأكلاف، تُرك الشيعة العرب لاقتلاع الأشواك بأيديهم، ولمواجهات بات يستحسن التفكير بعواقبها. وبعد كل حساب، فهم، في عرف الإيرانيين، مجرد عرب يقتلون عرباً آخرين، أو يقتلهم عرب آخرون.