التصرّف المستهجن، والغوغائي الذي قام به بعض المندسّين في تظاهرة الاحد، ضد رئيس الحكومة سعد الحريري، ارتدّ سلباً عليهم، وايجاباً على الحريري وعلى الطائفة السنيّة الكريمة، التي وقف جميع قياداتها تقريباً، موقفاً واحداً مستنكراً وشاجباً تصرّف هؤلاء، وعجّل في تقارب، كان يعمل عليه، بين الحريري وبين رئيس الحكومة الأسبق نجيب ميقاتي تم تتويجه في مسجد الأمين بكلمات ودّية لميقاتي، قابله بمثلها سعد الحريري واستكملت على مأدبة عشاء أقامها الحريري في بيت الوسط وضمّت الى ميقاتي رئيسي الحكومة السابقين تمام سلام وفؤاد السنيورة، وخرج الجميع بموقف توحيدي على قاعدة «صافي يا لبن» وان لا خلافات بعد اليوم بين الرؤساء الثلاثة، مكرّسين بذلك تفاهماً سنيّاً عريضاً، باركه وعمل له، مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبد اللطيف دريان، وقد ينضمّ اليه لاحقاً بعد تعبيد طريق المصالحة، الوزير السابق اللواء أشرف ريفي، والنائب خالد الضاهر، على اعتبار ان لا شيء يبعد الاثنين عن سعد الحريري سوى خلافات، لا تمسّ في العمق تمسّك الجميع بمبادئ وثوابت 14 اذار، وبالنهج الذي وضعه الرئيس الشهيد رفيق الحريري، ومن الصدف السعيدة، والتي يمكن ان تكون مدخلاً واسعاً، لقيام تحالف أوسع، مشاركة الرئيس سعد الحريري في ذكرى مرور 40 سنة على اغتيال الزعيم الوطني كمال جنبلاط، والترحيب الكبير به من قبل عشرات الألوف المحتشدة في المختارة وامام قصر جنبلاط، واذا عرفنا ان العلاقات لم تنقطع يوماً بين النائب وليد جنبلاط وبين الحريري على الرغم من بعض الاختلافات في المواقف، لا شيء مستبعداً من قيام تعاون واسع بين الحزب التقدمي الاشتراكي وبين تيار المستقبل، على عدد من القضايا الاساسية المطروحة على الساحة السياسية، لن يكون بعيداً عنها في العديد من النقاط حزب القوات اللبنانية، الحريص على تحالفه مع تيار المستقبل، وعلى علاقته مع زعيم المختارة، الفريق الثاني الأساس في مصالحة الجبل.
* * * * *
اي تفاهم داخل الطوائف، في ظل نظام طائفي، هو أمر مرحب به ومطلوب، لأنه سيبدأ ضمن الطائفة الواحدة، ليتمدد لاحقاً الى تفاهم وتعاون مع طوائف أخرى، واذا تعذّر التفاهم والتعاون في مرحلة اولى، الا انه سيكون سبباً في تخفيف التشنج والتوتر بين الطوائف والاحزاب، وهذا أمر ايجابي في الأوضاع الحالية المتأزمة داخلياً والخطيرة خارجياً، وكما ان التحالف بين حركة أمل وحزب الله، خلق اجواء هدوء واستقرار في المناطق ذات الغالبية الشيعية، والتفاهم بين حزبي القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر، نزع فتيل الصدام الدائم بين الحزبين، واراح المسيحيين، كذلك فان توحّد السنّة على التفاهم وعدم الخلاف، سيرخي ظلاً ايجابياً على طرابلس وعكار والشمال، وحتى بيروت وصيدا والاقليم، فكيف اذا شاركت طائفة الموحّدين الدروز في هذه الموجة من التفاهمات، بعدما حسمت مسيرة الاحد المرجعية السياسية الأساس لهذه الطائفة، فلبنان عندها يكون قد دخل في مرحلة جديدة قائمة على اعتراف الجميع ببعضهم بعضاً، وعلى الاعتراف بحقوق وحيثيات بعضهم بعضاً، بعيداً من العنف والفوقية والتسلّط وقريباً من بذل التنازلات لانقاذ لبنان من امراضه، ومن معوقات ثقافية.