Site icon IMLebanon

دومينو الأحجار المذهبية تتدحرج… والدم السنّي “عم يغلي غلي”!

 

 

ليس سراً القول إن الوضع الى تأزم وأنه بعد مناداة البعض “شيعة شيعة شيعة” هناك من ينادي، بغضبٍ أكبر، “سنّة سنّة سنّة”. هي الدوامة. هو الأفق المقفل على كلّ الحلول في ظلّ استمرار شعور طائفة بظلمِ طائفة. فهل يفيد أن نسأل: وماذا بعد؟

هو الظهر. هو نهار الجمعة. هو موعد الصلاة. وهو اليوم الذي تلا حمل حسان دياب لقب دولة رئيس مجلس الوزراء المكلف. وجوه أهالي طريق الجديدة عابقة بلونِ الغضب. والرجال نزلوا للصلاة في جامع عبد الناصر على كورنيش المزرعة. حشدٌ كبير أمام الجامع يتجاوز من فيه. والشبان في الخارج يعدون بمشهدٍ جديد هاتفين: سنّة… سنّة… سنّة سنّة سنّة. ويقسمون باسمِ الشيخ سعد قبل أن يعودوا ويستدركوا مرددين: نحن لسنا مع سعد الحريري ولسنا تيار مستقبل بل سنّة. والمارد السني استفاق.

 

نتذكر عدد المرات التي سمعنا فيها، في عشرين عاماً، عن ماردٍ سني وماردٍ شيعي وماردٍ مسيحي. فهل استيقظ ذاك المارد السني حقاً اليوم؟ وماذا يعني أن يستيقظ؟ كلامٌ كثير يتردد. ثمة تكرار كثير لكلامٍ ليس فيه “خطوط حمر” بل وجوه سوداء وتدخلات وتداخلات وأوقات صعبة آتية. “حسان دياب” (الرئيس المكلف) يتلقى سيولاً من الشتائم. ويلحقه النواب السنّة الستة الذين صوتوا له. وصدى يتردد “هول من وين جايين”.

 

وفجأة، وصلت شاحنة محملة بالأتربة والحجارة من نوع فولفو. وبدأ التصفيق. “عورضت” في الجهة الثانية من طريق كورنيش المزرعة، عند مفرق سوق بربور. بدأ التصفيق. بدأ الهتاف يشتدّ: الله حريري طريق الجديدة. وفي لحظة، في أقل من لحظة، تبدل كلّ المشهد. وصل الجيش. وصلت قوى الأمن الداخلي. وصلت المخابرات. وبدأ التدافع بين العسكر والمتظاهرين الغاضبين. وأصوات “خرطشة” أسلحة. ودفع مستوعبات النفايات الى منتصف الطرقات ودفع ما فيها الى خارجها. نفايات وخوف وغضب ومجهول.

 

هو المشهدُ نفسه يتجدد في اليوم الخامس والستين مع فارق أن إسماً استجدّ فيه فاجأ الشعب عموماً والسنّة بالأخص: حسان دياب! فمن أين أتى؟ كيف أتى؟ ولماذا أتى؟ أسئلة أسئلة لم ينهها سوى هتاف: يا الله، بسم الله، الله أكبر.

 

أصبحت الشاحنة، المحملة أتربة وركاماً، بين أيادي عناصر المخابرات. إندفع الشباب، بشكلٍ هستيري، نحوها. واندفع عناصر الجيش، بكثير من الغضب، نحوهم. صراخ أحد العناصر، في رفاقه العسكريين، بدا شديداً: قفوا صفاً واحداً… صفاً واحداً… الآن… الآن… عنصر عسكري آخر دفع متظاهراً الى الوراء صارخاً فيه: والله بسحبك لهون. اللي بيشبق حجر بدي جيبو بالقوة. إستمرّ التدافع. هربت النسوة. هرب الأولاد. هرب الشباب. هرج ومرج. ولحظات خرجت من أيدي الجميع. رُميت فيها العصي والحجارة والعربات التي تُستخدم في محال السوبرماركت لنقلِ المشتريات. أحد العسكريين رمى زميله، بغضبٍ شديد، بعربة. فصرخ فيه “الزميل” وكادا يتشاجران. كنا نسمع باختلاطِ الحابل بالنابل وما حصل جعلنا نفهم واقعياً ما معنى هذا الشكل من الإختلاط.

 

ركضنا في مختلف الإتجاهات. إحتمينا وراء الأغصان. إحتمينا في الزوايا. صرخ متظاهر: وين النسوان؟ وين الصبايا؟ ولم يهدأ المشهد الى حين شكّل عناصر الجيش درعاً بشرية وراح المتظاهرون ييهتفون: سلمية سلمية. السلمية كلمة تتكرر هي أيضا كلما اشتدّ المشهد تأزماً.

 

عشرات الدراجات. مئات. أكثر. اللوحة التذكارية للعقيد نور الجمل على مسافة مترين. غادر العقيد في كمين في جرد عرسال قبل عشرين شهراً. ويا لكثرة الكمائن التي سبقت أو تلت. هتاف: “ثوار أحرار رح نكمل المشوار” أعادنا الى الحاضر. وصوت صراخ امرأة مسنّة في وجوه عناصر الجيش جعلنا نقترب أكثر: كيف بدكم تطعموا ولادكم؟ كيف بدكم تبعتوهم الى المدرسة؟ كيف؟ قولوا كيف؟ تهزّ أحدهم فينظر في وجهها بحبٍّ. زاد عدد الدراجات النارية. إتكأنا على واحدة قبل أن ننتبه أنها تعود الى سرية سير بيروت.

 

محاولات إزاحة شاحنة الفولفو “المعورضة” بدت صعبة. وأمسك بعض الشبان بحجارة من أجل رميها على الشاحنة، التي ألقت المخابرات القبض عليها، حين عبرت. بدأوا يتهامسون. بلال جلب حجارة باطون سميكة. عمر وقف عند الزاوية. ومحمد رمى الزيت. وحين انتقلت الشاحنة من مقلب الى مقلب تهافت نحوها الشباب وتسلقوا عليها. وراحوا يرمون ما فيها. وعاد الهرج والمرج. وحين نجحت بالمغادرة قرأنا على بابها الخلفي عبارة: “يا عالماً بحالي يا ربّ”. غادرت الشاحنة وبدأ العسكر في إطلاق القنابل المسيلة للدموع. عصام، الشاب الذي يظهر في كل الساحات وراء المراسلين، راح يركض بين المتظاهرين سائلاً: أتريدون بصلة؟ تراجع الشباب الى الوراء وبدأ رمي الحجارة. عناصر الجيش نقلوا جندياً جريحاً. وهتاف: “عمر عمر عمر… ودم السنّة عم يغلي غلي…”.

 

النساء بدأن بالصراخ: شاطرين بس على أهل السنّة! رجل مسنّ قال: إنهم يعيدون سيناريو جلّ الديب. شابٌ يجلس في كافيه “كبسة ونص” الملاصقة لجامع عبد الناصر قال: نحن لسنا جلّ الديب وسيرَون. تجدد الهرج والمرج. تجدد الصراخ. تجددت الهتافات وتجدد التحدي. وإمرأة رددت: إذا ما كبرت ما بتصغر. ننظر الى السماء الملبدة بغيوم القنابل المسيلة للدموع فنلمح إعلاناً لجامعة الآداب والعلوم والتكنولوجيا فوق مبنى ملاصق له: “مرحلة صعبة منقطعا سوا”.

 

البارحة، عرفنا كيف انطلقت الأمور لكن، ساد الظلام، ولم نر كيف انتهت! ووحدها عبارة “الظلم ظلمان يوم القيامة” حسمت كلّ الموضوع. تُرى هل قرأها الظالم؟