إنتقل الوضع في الجنوب من وضعية التعادل في الضربات إلى السخونة في المواجهات، وبرزت مؤشّرات تميل إلى الاتجاه نحو الحرب وتورّط لبنان فيها مع انسداد أفق المفاوضات وإدراك الجميع أنّهم في مأزق بات يحتّم على أطراف الصراع الانزلاق نحو المواجهة. فالإسرائيلي لا يستطيع لملمة ماء وجهه المُراق في غلاف غزة إلّا باجتياحٍ برّي مكلف للغاية وغير مضمون النتائج، والإيراني مأزوم بعد طرحه لسنوات نظرية وحدة الساحات وقد أدخلت حركة «حماس» الطرفين في لحظة الحقيقة، وتراجع الإسرائيليين سيؤدّي إلى تداعيات كبرى في الداخل، وتخاذل الإيرانيين سيُسقط كلّ مبرِّرات وجود ميليشياتهم ويُسقط من أيديهم المتاجرة بالقضية الفلسطينية.
وبينما لا يظهر لـ»فيلق القدس» الذي اجتاح العراق وسوريا أيّ أثر حتى الآن في المواجهة الدائرة في فلسطين، يقف «حزب الله» في دائرة الصمت والانتظار في وقتٍ تتدحرج فيه الأوضاع نحو المواجهة، وهو غير راغبٍ فيها لأسباب أكثر من أن تُعدّ وتُحصى، أهمّها عدم جهوزية البيئة الشيعية لتهجير جديد تدرك أنّه لن يكون كتهجير العام 2006 لأنّ «الحزب» سيكون وحيداً في مسؤوليته عن استيعاب الكوارث الناشئة عن انخراطه في هذه الحرب.
مهما بلغت المجاملات، فإنّ عدم قيام قيادة «الحزب» بمراجعة عدوان 7 أيار 2008 والمشاركة في جرائم الحرب ضدّ الشعب السوري، بالإضافة إلى مسؤوليته في تحالف السلاح والفساد وتعطيل الحياة الدستورية في البلد، ومحطات خلدة ضد عشائر العرب وعين الرمانة والكحالة ضدّ البيئة المسيحية وغيرها من معالم طغيان الحزب على اللبنانيين، ستلقي بظلالها على كيفية التعامل مع اتّخاذ «الحزب» قرار الحرب وفرضه على الجميع.
تحوّل بعض المناطق الحدودية السنيّة إلى ممرٍّ لتسلّل المجموعات الفلسطينية المسلحة وإلى مسرح للاشتباكات وكان من النتائج الأولية للاشتباكات الدائرة في الجنوب مقتل عدد من المواطنين وإصابة آخرين ونزوح مئات العائلات من البلدات والقرى السنيّة تحديداً وتضرّر المنشآت والمساجد واحتراق الحقول والأحراج من دون أن يفهم أصحاب الأرض لماذا عليهم أن يكونوا الضحايا منفردين عن جيرانهم؟ ولماذا لا تنطلق بعض الصواريخ من مناطق أخرى؟ مع صعوبة هذا السؤال لأنّه يستدعي إيقاع الضرر ببقية المناطق، لكنّ حصر الأضرار بهذه الشريحة من المواطنين يستدعي الكثير من الأسئلة الوقحة.
لماذا تتركّز العمليات الراهنة في القرى الحدودية السنيّة ويُدفع عناصر المجموعات الفلسطينية إلى الحزام السني الذي يشكِّل الخاصرة الرخوة، فتتعرّض المساجد والمنازل وخزانات المياه للتدمير، بينما يغيب مجلس الجنوب عن الاهتمام كما يُفترض به أن يفعل؟ ولماذا يستشرس «حزب الله» على السكّان، فيعتدي على منسّق «تيار المستقبل» في بلدة يارين محمد القاسم في بيته بشكل وحشي، كما يعتدي على الإعلاميين فيحاول ترهيب مايا الهاشم ويعتدي على مراسل العربية محمود شكر؟ وهذه أفعالٌ لا يمكن فهمها إذا كان يريد مشاركة السنّة في المواجهة… والحال الآن أنّ مناطق السنّة الحدودية مستباحة من العدو الإسرائيلي ومن «الحزب»، وهي تحت خطر التفريغ والتهجير مع ما يعنيه ذلك ديموغرافياً واستراتيجياً.
يشعر بعض أهل القرى السنيّة على الشريط الحدودي أنّهم على وشك التعرّض لتكرار حالة الموصل في العراق أو حمص في سوريا، فهم في وضع إنساني واجتماعي هشّ، كما أنّهم متروكون وكأنّهم غير موجودين على خريطة الاهتمام السياسي، ويخشون أن يُتركوا لمصيرهم خاصة إذا تطوّرت المواجهات وازداد المصير قتامة وظلاماً.
أخطر ما يظهر في المؤشرات الساخنة ظهور بعض رموز «الحشد الشعبي» العراقي في الجنوب والحديث عن تقاطر المئات من المقاتلين الآتين من سوريا واليمن من الميليشيات الشيعية، فماذا سيفعل هؤلاء في لبنان وكيف ستكون أحوال الدولة التي أعلن رئيس حكومتها أنّها شاهد عاجز لا يلوي على شيء؟