لا يختلف المشهد على مستوى الصراع بين الدول السُنيّة الكبرى في الإقليم، عن مشهد اللوائح التسع التي تسعى لشرذمة التمثيل السُنّي في مدينة بيروت وبعثرة أصواته، من المؤسف أن يكون المشهد على هذه الحال مثلما هو على مستوى الصراع الكبير بين ثلاثيّة مصرـ تركيا ـ السعوديّة، وهذه الثلاث تشكّل دول الثّقل السُنّي في المنطقة والمستفيد الأكبر من هذا الصراع هي إيران ركيزة الشرّ في المنطقة!
هذا الصراع ليس وليد وجود الإخواني رجب طيّب أردوغان على رأس الحكم في تركيا، فهو دخل إلى الحكم في تركيا في لحظة صعبة على المنطقة إذ شغل منصب رئيس وزراء تركيا من آذار 2003 وهو تاريخ سقوط العراق فريسة احتلاليْن متواطئيْن أميركي ـ إيراني، ولا علاقة لهذا الصراع بين الدول السُنيّة الثلاث بموروث الثورة العربية الكبرى ضدّ الحكم العثماني في المنطقة العربيّة، فتركيا نفسها تنكّرت لصانعة وودها فأقامت قطيعة مع تاريخ السلطنة العثمانية منذ منتصف عشرينات القرن الماضي!
قد يكون واقع الصراع اليوم ألطف بكثير من السابق، ففي منتصف عام 1954 نشرت جريدة الأهرام «مانشيت» بعنوان «طرد سفير تركيا من مصر»، وفي تفاصيل الخبر ذكرت الصحيفة أن مجلس قيادة الثورة قرر طرد السفير التركي بعد حملاته المستمرة ضد الثورة وتوجيه ألفاظا نابية لجمال عبدالناصر، ونصّ قرار الحكومة المصرية وقتها على رفع الحصانة الديبلوماسية عن فؤاد طوغاي سفير تركيا في القاهرة واعتباره شخصاً عادياً، وطرده من مصر وإبلاغ هذا القرار للحكومة التركية، وتسبّب الفتور في العلاقات بين القاهرة وأنقرة في صمت تركيا إزاء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، مما دفع عبدالناصر لاعتماد سياسة داعمة لليونان في خلافها مع تركيا بشأن جزيرة قبرص.
مجدداً دفع الترحيب التركي بانفصال مصر وسوريا بعد الانقلاب العسكري في دمشق في 28 أيلول 1961، والذي أنهى الوحدة بإعلان سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية، دفع هذا الترحيب بقطع العلاقات المصرية ـ التركيّة مجدداً مع طرد سفير أنقرة، للمرة الثانية في الحقبة الناصرية، ولم يعد الهدوء لهذه العلاقات حتى العام 1988، وبلغ ذروة الدفء مع زيارة أردوغان لمصر عام 2009 لينهار كل شيء بعد ثورة 30 حزيران بسبب التدخّل التركي الأردوغاني لدعم الإخوان المسلمين في مصر، والحال أنّ المشهد على المستوى السعودي ـ التركي ليس بأفضل اليوم من المشهد التركي ـ المصري.
بين عامي 1811 و1818 شنت الدولة العثمانية وإبراهيم باشا، ابن محمد علي باشا والي مصر حرباً على الدولة السعودية الأولى انتهت بهزيمة السعوديين واندثار دولتهم الأولى وتدمير عاصمتها الدرعية، إلى أن جاء الثالث من آب عام 1929، شهدت العلاقات الحديثة بين تركيا والسعودية بداية جديدة، اعترفت تركيا بالسعودية، ووقع البلدان اتفاقية سلام وصداقة مشتركة، ولكن بقيت تلك العلاقات تتسم بالبرودة حتى ثمانينات القرن العشرين، حتى تسببت حرب اليمن منذ سنوات أربع بتوتر العلاقات بالرغم من أن تركيا وقفت إلى جانب السعودية في عملية «عاصفة الحزم»، إلا أن مصالح البلدين عادت لتفترق من جديد، وجاءت الأزمة القطرية لترخي بظلّها الثقيل مع التدخّل الأردوغاني مجدداً لمصلحة النظام القطري ورعايته للاخوان المسلمين.
قد يكون أفضل ما يختصر عبثيّة هذا الصراع الذي يضعف الدول السُنيّة الكبرى في ظلّ حرب إقليمية غير مباشرة، هو وجود مستفيد واحدٍ الأجندة الإيرانيّة والتشيّع الفارسي، ومع هذا الكلّ منخرط في هذا الصراع ليضع يده على زعامة العالم الإسلامي السُنّي، قد يكون كلام وليّ العهد السعودي للصحافيين والذي جرى تصحيحه عبر سفارة المملكة في العاصمة التركيّة أنقرة يختصر هذا الصراع المرير الذي يدمّر قوة هذه الدول في مواجهة إيران، عندما اعتبر بأن العثمانيين هم أحد محاور الشر في المنطقة، بالرّغم من أنّ البيان الذي صوّب كلامه الذي رفع نسبة التوتر بأنّه قصد التيّارات المتشددة والإخوان المسلمين.
المشهد السُنّي في انتخابات لبنان ليس بأفضل من هذا المشهد الإقليمي السُنّي السيّىء!