استحقاق التهجير بفعل الحرب التدميرية يلقي بثقله على كل القوى السياسة، وتشير التقديرات الى تهجير قرابة مليون ونصف لبناني، وتدمير اكثر من ٤٠ الف وحدة سكنية، مما يزيد من اعباء الحرب ويضاعف التحديات والمخاوف من حدوث توترات، في ظل الظروف الصعبة في دولة منهارة اقتصاديا واجتماعيا، ووسط عجز الدولة عن المؤازرة والمساندة على مستوى الازمة.
من هذا المنطلق، بدا واضحا تداعي القوى السياسية والطائفية لعقد اجتماعات لدراسة كيفية التعاطي مع الازمة الراهنة، وكيفية الخروج ومنها، وصولا الى مرحلة ما بعد الحرب، وضمن هذه المقاربة تداعت القيادات الدرزية لعقد لقاء بعذران الاسبوع الماضي، انطلاقا من واقع ان الحرب قد تكون طويلة كما اكد النائب السابق وليد جنبلاط، فالحكمة الداخلية تفترض وضع خطة عمل تحاكي التحولات المقبلة وتجاوز الصدمات ، فالهدف الاساسي لعقد لقاء بعذران، بحسب مصادر المجتمعين، هو الالتفات الى تحصين الوضع الداخلي، وتلافي التوترات مع تزايد الضغط والتهجير في مناطق الجبل، والسعي الدرزي لتفعيل عمل لجان التنسيق والاتصالات الوقائية.
ضغط التهجير كبير جدا في الداخل وله تأثيرات ديموغرافية واقتصادية، وعلى غرار الطائفة الدرزية تؤكد المعلومات ان هناك مسعى لتأمين توافق مسيحي، من خلال الدعوة لعقد اجتماع لقيادات مسيحية بهدف الوصول الى موقف موحد، ووضع خطة عمل للتعامل مع المرحلة المقبلة بكل تحدياتها الراهنة والمستقبلية بالتنسيق مع بكركي، التي كانت اول من بادر لعقد لقاء وطني. فالكنيسة كما صار واضحا تحتضن النازحين، ودعت لفتح الأبرشيات والأديرة. مع العلم انها لم تكن يوما من الفريق المؤيد لخيارات حزب الله السياسية، وآخرها عدم الموافقة على حرب إسناد غزة، وقد طالبت الكنيسة مرارا بتحييد لبنان عن صراعات المحاور الإقليمية. وازاء مشهد الحرب لم تقف الكنيسة موقف المتفرج في موضوع الحرب الدائرة لإبادة طائفة ومكون أساسي التزاما بالرسالة المسيحية.
ومن الجانب المسيحي تلتزم معراب الهدنة السياسية مع حزب الله، وفتحت المناطق المسيحية ابوابها بشكل كامل للمهجرين، رغم الاختلاف السياسي القوي.
اما من ناحية الحليف العوني، وعلى الرغم من تمايز النائب جبران باسيل واعلان فك تحالفه مع الحزب، إلا ان التيار يؤدي دورا مركزيا في المناطق المسيحية، لتعزيز التضامن والشركة الوطنية، فالاختلاف مع حزب الله في ملف الرئاسة والانخراط في الحرب لم يمنع التيار من مؤازرة جمهور الحزب لوجستيا في المناطق، ولا يختلف الوضع كثيرا في المناطق السنية فالحرب أرست معادلات مختلفة على صعيد العلاقة بين البيئتين السنية والشيعية، وفي هذا الإطار عقد اللقاء التشاوري بين رئيس الحكومة نجيب ميقاتي والنواب السنة مؤخرا، الذي حضره 24 نائبا قبل توجه ميقاتي الى المملكة العربية السعودية، تحت عنوان جولة أفق في الاوضاع العامة، وتوحيد الموقف السني في مرحلة بالغة الدقة والحساسية، فمن الواضح ان اللقاء السني كما الاجتماعات الدرزية والاتصالات المسيحية تسعى لخلق مساحة آمنة وتحصين الداخل ومواجهة التحديات.