شرح الرئيس رفيق الحريري مخاطر المقاطعة قبل ان يستشهد. وفي المقطع المصور الذي تم توزيعه بكثافة عبر وسائل التواصل يقول الرئيس الشهيد ما اختصره بكلمات، وهو انه اذا قمت فإن احداً سيجلس مكانك لأن الطبيعة لا تتحمل الفراغ. وفي التفصيل غير الممل فإن نتائج المقاطعة ستكون كارثية في معظم الدوائر التي فيها أغلبيات سنية، من العاصمة بيروت الى طرابلس وعكار والاقليم والبقاعين الاوسط والغربي، الى صيدا.
من الطبيعي ان يكون انسحاب الرئيس سعد الحريري قد احدث صدمة في الوسط السني، الا أنه من غير المفهوم، أن يتحول الانسحاب حرداً يؤدي الى انسحاب طائفة بكاملها من الحياة السياسية، فهذا فضلاً عن أنه جرب من اكثر من طائفة، فإن نتائجه السلبية ستترجم سنياً، والايجابية سيحصدها من ينتظر الاحباط السني ليثمّره نواباً وكتلاً تعزز الممانعة في سعيها للأكثرية.
وبناء عليه كان للقيادات في الطائفة السنية موقف استباقي للمقاطعة، اذ لم يكن من قبيل المصادفة أن يخاطر الرئيس فؤاد السنيورة بالمشاركة في الانتخابات وأن يشكل لائحة من دون أن يترشح، مع علمه المسبق بأنه سيتعرض للحملات العنيفة من تيار «المستقبل»، ومع ذلك فهو فضل المضي بالخطوة خوفاً من الفراغ وممن سيملأونه، خصوصاً في بيروت.
كذلك الأمر بالنسبة للنائب السابق مصطفى علوش والنائب سامي فتفت واللواء أشرف ريفي، ونواب عكار في كتلة «المستقبل» الذين قرأوا في الدعوات الى المقاطعة، دعوة مجانية لتسلم «حزب الله» وحلفائه كتلاً نيابية من دون عناء خوض المعارك. وتتحدث الارقام بقلق عن أثر المقاطعة اذا ما حصلت، ففي بيروت على سبيل المثال يمكن لـ»حزب الله» أن يتخطى المقعدين الشيعيين المضمونين الى مقاعد سنية اضافية، كما يمكنه ان يؤكد منذ الآن فوز مرشح «التيار» الذي لا قاعدة شعبية له في بيروت الثانية، كذلك يمكن أن يأمن الى فوز مرشح «الاحباش». وفي طرابلس ستهدي المقاطعة إن حصلت تحالف النائبين فيصل كرامي وجهاد الصمد ما يتخطى المقاعد الثلاثة، وهذا إن حصل سيكون انتصاراً غير مسبوق لـ»حزب الله» وحلفائه، في دائرة الاكثرية السنية الكاسحة، وكذلك سيكون الامر شبيهاً في عكار حيث ستتعزز فرص لائحة «التيار الوطني» وحلفاء الحزب، ويمكن ان ينسحب هذا المشهد على البقاعين الاوسط والغربي والشوف بطريقة دراماتيكية.
بعد الدعوات الى المقاطعة العبثية كان لا بد لدار الفتوى ان تتحرك فصدر عنها تحذير واضح من خطورة المقاطعة، خصوصاً وأن الاسباب التي تدعو اليها، لا تقترب من أي سبب وجيه وترتبط فقط بالمرحلة الماضية وما شهدته من أخطاء ارتكبها الجميع، والاخطر منها ما سمي بالتسوية الرئاسية التي أوصلت العماد ميشال عون الى قصر بعبدا، ذلك على الرغم من كل التحذيرات العربية والدولية والداخلية، التي استشرفت ما عاد وحصل فعلاً.
هذه التحذيرات تتجدد اليوم، وتظهر في وسائل الإعلام السعودية، على شكل خطوط حمر لا يمكن تخطيها، تحت طائلة تجميد العلاقات الى ما دون الصفر. فدعوة المفتي عبد اللطيف دريان لم تأت من فراغ، وكذلك الكثير من المشايخ الذين كسروا الصمت وحثوا على رفض المقاطعة، وكل هذه الدعوات تصب في اتجاه واحد: منع أي كان من تمكين «حزب الله» من الاستفادة من انسحاب الرئيس الحريري، لإيجاد موطئ قدم في الساحة السنية، يكون بمثابة «سرايا مقاومة» برلمانية، وقطع الطريق على مسار عزل السنة، الذي يخالف مسار المشاركة الكثيفة التي من المتوقع تسجيلها في الداخل وفي الاغتراب، لا سيما وأن ما من سبيل للتغيير الحقيقي الا بواسطة صناديق الاقتراع.