ليس من السهل التقليل من مخاطر تداعيات حالة الإحباط والإرباك المهيمنة على الوضع السنّي، والتي زادت تفاعلاً وتعقيداً بعد إنسحاب الرئيس سعد الحريري وتيار المستقبل من الساحة السياسية، قبل أشهر معدودة من موعد الإنتخابات
.
صحيح أن عاصفة الغبن والإحباط ضربت المكون المؤسس في الكيان اللبناني، منذ التسوية السياسية التي عقدها الحريري مع العماد ميشال عون وتياره، والتي أوصلت الأخير إلى بعبدا، وأدت إلى تراجع لافت في شعبية رئيس تيار المستقبل، ولكن الأصح أيضاً أن توقيت إنسحاب الحريري عشية الإنتخابات النيابية ، وتركه الساحة دون ترتيب البيت السنّي بالتعاون مع القيادات السياسية والروحية، ضاعف من حالة الإحباط والضياع والشعور بالفراغ، خاصة في الأيام الأولى التي أعقبت خطاب الإنسحاب الدرامي.
لقاء الجامع العمري الكبير الذي ضم إلى مفتي الجمهورية الرئيسين نجيب ميقاتي وفؤاد السنيورة، كان بمثابة رسالة تطمين سريعة بأن لا فراغ في قيادة أهل السنّة والجماعة، وأن إستعادة المبادرة القيادية تتم بسرعة، بدءًا مع الحرص على التأكيد على عدم مقاطعة الإنتخابات، ترشيحاً وإنتخاباً، على أمل أن يعقب هذا اللقاء خطوات عملية أخرى.
أسفرت الإجتماعات غير المعلنة بين مفتي الجمهورية ورؤساء الحكومات السابقين، عن التوافق على أن يتولى الرؤساء إدارة الوضع السنّي بالتعاون مع المرجعية الروحية، ومتابعة الحركة السياسية في هذه الفترة الحرجة من تاريخ البلد، والمساهمة في تمرير الإستحقاق الإنتخابي بما يستحق من إهتمام ودراية.
الإقدام على هذه الخطوة من الأهمية بمكان، لملء بعض الفراغ الحاصل في قيادة أهل السنّة، ولكن بعض فعاليات السنّة ترى أن الوضع الدقيق الذي تمرّ به البيئة السنّية يتطلب توسيع قاعدة التشاور والعمل مع أوسع قاعدة ممكنة، على نحو ما كان يحصل في ظروف مماثلة في فترات سابقة، حيث كانت دار الفتوى تحتضن مؤتمرات موسعة تضم فعاليات شرعية وسياسية واقتصادية وإجتماعية، تصدر عنها وثيقة إسلامية تؤكد على الثوابت والخيارات الوطنية في هذه المرحلة الحرجة، إنطلاقاً من التمسك بالعيش الواحد بين اللبنانيين، وحماية السلم الأهلي، وتطبيق إتفاق الطائف ميثاقاً ودستوراً، وتجديد الدعوة لإتباع سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، وتطبيق إعلان بعبدا الذي حظي بإجماع لبناني نادر، وتم إعتماده في مجلس الأمن الدولي بموافقة كل أعضائه، بما فيهم روسيا والصين. ويصدر عن هذا المؤتمر تفويضاً لرؤساء الحكومات، ولمن يرونه مناسباً معهم، لتدبير شؤون الأمة في هذه الأيام العجاف.
ولا يخفى على أحد أهمية ترتيب البيت السنّي وإخراج أهل السنّة والجماعة من دائرة القلق والإحباط، ثُم العمل على إدارة العملية الإنتخابية التي تخلى عنها تيار المستقبل، مع الأخذ بعين الإعتبار المستجدات على الساحة السنّية، ومحاولات بعض الأحزاب السياسية السطو على أصوات الناخبين السنّة في غفلة عن قياداتهم السياسية والروحية.
ولعل أبرز المستجدات في هذه الفترة عنصران دخلا على المشهد السياسي بشكل لافت: الأول إعلان النجل الأكبر للرئيس الشهيد عودته الوشيكة إلى لبنان لمتابعة نهج والده، والحفاظ على الحريرية السياسية. والثاني بروز العشائر العربية كتيار فاعل في المكون السنّي، على خلفية إنتشارها في مختلف المناطق ذات الوجود السنّي الوازن، وقدرتها على الحضور في المشهد الوطني على ضوء خطابات رؤساء العشائر البارزين في الفترة الأخيرة.
ad
ثمة ترقب على الصعيد الوطني عامة، وفي البيئة السنية خاصة، لعودة بهاء الحريري إلى لبنان، ومعرفة البرنامج السياسي والإنمائي الذي ألمح إليه في كلمته المتلفزة، وتبيان مسار النهج الذي تعهد بإتباعه لتفعيل الحريرية السياسية، بكل ما تعنيه من حرص على صيغة العيش بين اللبنانيين، وصون السلم الأهلي، وإعادة الإعتبار لشرعية الدولة وأجهزتها المدنية والعسكرية والأمنية، فضلاً عن المشاريع الإنمائية ومؤسسات الخدمات الإجتماعية والطبية التي كان يرعاها الرئيس الشهيد.
أما بالنسبة لحضور العشائر المتنامي في مختلف المناطق اللبنانية ومواقفها الوطنية، والتي حرص مفتي الجمهورية على مباركتها في زيارته الأخيرة إلى البقاع، وحضوره اللقاء الذي أقامته عشائر البقاع الغربي تكريماً لسماحته، فمن المتوقع أن يرسم معادلة جديدة في الخريطة الإنتخابية، حيث يقتصر الحضور العشائري في مجلس النواب الحالي على نائب وادي خالد فقط هو محمد سليمان، وقيادات العشائر تسعى حالياً لزيادة تمثيلها النيابي، بما يتناسب مع حجمها الديموغرافي وإنتشارها الجغرافي.
وبإنتظار أن تُظهّر الأيام المقبلة الصورة الجديدة للساحة السنّية، لا بد من تكاتف كل الجهود للمّ الشمل وتعزيز التعاون والحضور بين قيادات وفعاليات أهل السنّة، وذلك كأولوية تتقدم على كل ما عداها قبل الإنتخابات النيابية، سواء حصلت في موعدها الدستوري أم ..لم تحصل.