ربما أصاب الرئيس سعد الحريري في التأكيد انّ الطائفة السنية في لبنان ليست مُحبطة، لكنّ جواً من الاحتقان الشديد الذي يرتفع منسوبه تصاعدياً مع كل خطوة تزيد في حالة اللاتوازن التي أعقبت 7 أيار وإسقاط حكومة الحريري.
أصاب الحريري ايضاً في اعتبار انّ زلزال اغتيال الرئيس رفيق الحريري لم يحبط الطائفة السنية، فلقد كان تشييع الرئيس الشهيد في شوارع بيروت ووسطها والشعارات التي رفعت خير دليل الى انّ الاغتيال تحوّل بركاناً وأنّ جدار الخوف انكسر، وهو ما لم يحصل بعد اغتيال المفتي حسن خالد.
يلمس كل متابع للبيئة السنية أنّ أصواتاً عالية بدأت تتصاعد اعتراضاً على الادارة السياسية في الطائفة، وبالتأكيد فإنّ الحريري هو اوّل من يسمع هذه الاصوات.
في اجتماع لـ«المبادرة الوطنية» التي يهندسها الدكتور فارس سعيد والدكتور رضوان السيد، وهو أحد أبرز الصقور المجاهرين في اعتراضهم على ما يجري، طلب الكلام عشرات الناشطين السنّة من بيروت والبقاع والشمال، والاقليم، وكانت أصواتهم واحدة من دون تنسيق في ما بينهم، او حتى معرفة شخصية، أصوات تقول انّ الطائفة السنية تشعر أنّ وجودها مهدّد وكرامتها تُمَس، وقيادتها لا تقوم بما يلزم لتأمين حضورها الوطني.
إستمع سعيد طويلاً في الاجتماع للناشطين، وذكّرهم بمرحلة «قرنة شهوان» التي طالبَ فيها المسيحيون بخروج النظام السوري، وبأنّ صوت المسيحيين آنذاك لم يترجم دينامية وطنية حقيقية الّا عندما استطاعت «القرنة» أن تمدّ الجسور مع النائب وليد جنبلاط والرئيس الشهيد رفيق الحريري، وهذا هو جوهر المبادرة الوطنية، التي تنطلق من استراتيجية مواجهة «حزب الله» قبل ان ينجح في إرجاع اللبنانيين الى مربّعاتهم الطائفية حيث يسهل استفرادهم وضربهم.
ليس بعيداً عن مبادرة سعيد والسيد، كان اللواء أشرف ريفي يُعاين من قلب البيت، هذا الاعتراض المُحتقن. في استقباله للوفود في طرابلس وبيروت وفي زياراته المناطقية الى عكار والبقاع والعاصمة، الصوت العالي هو نفسه، كرامة الطائفة وأخطاء قيادتها. في زيارته الى البقاع إستمع ريفي الى مداخلات نارية.
وفي وقت كان هذا النقد من باب الحَضّ على رفع السقف أكثر، صَبّ المنتقدون جام غضبهم على أطراف آخرين، وخصّصوا تيار «المستقبل» بما يقال في السر والعلن، بما يشبه الاعلان عن ولادة خيار جديد يولد للمرة الاولى منذ العام 2005.
وفي وقت يكرر أكثر من مرجع سني، ومنهم ريفي، التحذير من ذهاب الامور الى مزيد من الاعتراض، الذي يمكن ان يؤدي الى اختراق التطرف، او توسّع ما يسمّى «سرايا المقاومة» في البيئة السنية، يلاحظ استمرار مجموعة من الشخصيات السنية الوازنة في التحّرك على خط تطويق هذه الاحتمالات، ووضع الاعتراض السني في إطار يشبه المَسار الذي تمّ السير فيه بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
وليس سراً في هذا الاطار أن تحظى مبادرة السيد وسعيد ومن يدعمهما بتشجيع سعودي وبغطاء سيتكرّس بعد زيارتهما للمملكة، وليس سراً ايضاً أنّ القنوات السعودية المفتوحة مع ريفي تؤدي الهدف نفسه، وهذه القنوات التي تتعرض للتشويش من وقت لآخر، وتسريب معلومات خاطئة عن تحديد مواعيد لزيارة ريفي الى السعودية، لكنّ هذا التشويش لا يحجب حقيقة أنّ المملكة وضعت الملف اللبناني والسني في أولى أولوياتها، وانّ خطوات محددة ستأخذ طريقها الى الظهور في وقت قريب.