د. علي لاغا*
إن مشكلة المسلمين في لبنان عامة والمكوّن السنّي خاصة بعدما رتبت القيادات الشيعية وضعهم وتقدموا بهم حتى باتوا الفريق الأقوى والأكثر حضوراً، بينما بقي الفريق السنّي عرضة لكل استهداف وتصدّع داخلي وتشرذم.
بداية الأداء القاصر عن فهم الحدث: المقاطعة:
في العام ١٩٢٦ قاطع المسلمون المشاركة في صياغة الدستور والمشاركة في حكم لبنان الكبير الذي أعلنه المندوب الفرنسي عام ١٩٢٠.
وفي العام ١٩٣٦ انعقد مؤتمر الساحل ووافق المجتمعون على تقبّل الكيان اللبناني والتخلّي عن فكرة البقاء مع سوريا وأشهر من أقنعهم بذلك كاظم الصلح الذي كان الأكثر رفضاً من قبل ونشر كرّاساً بعنوان: (مشكلة الإتصال والإنفصال في لبنان).
برّر فيه قبول لبنان الكبير طالما أنه عربي، وبقي لبنان الكبير يحكمه عملياً المندوب الفرنسي مفككاً ومركباً في مراكز الدولة الفتية.
ميثاق ١٩٤٣:
لقد مهّد ذلك الميثاق للإستقلال وتسليم البلاد لقيادات لبنانية ووزع السلطات العليا، كما تم تثبيته في دستور الطائف ١٩٨٩ والجديد في التعديل: تثبيت مدة رئيس الجمهورية ست سنوات وأربع سنوات لرئيس المجلس وإبقاء مركز رئاسة الحكومة مُتحركا تذروا به الرياح تغييراً وتبديلاً وتعويقاً واستقالة وتصريف أعمال حتى يتحول هذا الموقع عبرة لمن يعتبر ولا يحصد إلّا الفشل منطبقاً عليه المثل الفرنسي: الحجر الذي يتدحرج لا ينبت عليه طحلب (Pierre qui roule n`amasse pas mousse)، ومع تخبطه تضطرب الطائفة السنية وتتخلخل مفاصلها.
صحيح أن المكوّن الماروني قد تفرّد برئاسة الجمهورية إلّا أن منافستهم عليه قاسية جداً وعند انتهاء كل ولاية يشغر المركز لأشهر ولسنوات في العقود الأخيرة إلّا أن وضع الطائفة يبقى سليماً بفضل مؤسساتهم القوية، بينما مؤسسات المسلمين السنّة تكاد تغيب ويتغيّب دورها، كما سنرى في المقال الثالث إن شاء الله تعالى.
إن المكوّن السنّي يتخذ المواقف طبقاً لعواطفه وليس لعقله، وصاحب العقل الراجح مطعوناً، متخاذلاً، وصاحب الصوت العالي والصولات والجولات مرغوباً ومتبوعاً، فلو ركّزوا وفهموا الحدث لعلموا أن ما رسمه اتفاق (سايكس-بيكو) لن يتغيّر وعليهم المشاركة في الكيان الجديد فهو أرضهم وأرض أجدادهم والعمل على التنمية وتحسين أوضاع الناس الذين يعيشون فيه، إلّا أن ذلك لم يحصل، واستمر وضعهم حتى علَّقوا آمالهم على بُعدهم العربي دون إدراك للمتغيّرات التي تُرتب وحبهم لفلسطين جعلهم ينساقون وراء أحزاب دونما تفقّه وتبصّر، وانخرطوا بمضطرب تناحر داخلي، للعروبة ١٩٥٨ ثم وراء شعارات نتائجها كانت أصدق من مقدماتها وتدحرجت كرة اللهب ولا زالت، وتماسكهم السياسي والاجتماعي يتفكك وينهار وثورات الجماهير يتم من خلالها صنع قيادات طيّعة لعوامل الانهيار وغير منتمية للمُسمّى الذي تمثله.
إن اغتيال الشهيد رفيق الحريري بعدما عمَّر لبنان وأحدث توازناً في التعليم مُلغياً الفوارق التي أحدثتها الإرساليات الأجنبية وجعل لبنان في مصاف الدول التي تُقصد للتمتع بجمالها، ألقى غالب المواطنين أحمالهم على سعد الدين الحريري الذي كان مُدركاً لصعوبة المهمة كما ذكر لي في اجتماع مُطوَّلٍ معه حضره الوزير أحمد فتفت والأستاذ محمد السماك.
باستلام دولة الرئيس سعد الحريري انتقل استهداف الطائفة للخطة الثانية لعدم السماح له بإكمال رسالة والده بالتنمية والرخاء في البلاد.
تداعيات تجميد الرئيس الحريري لعمله السياسي:
إن الطائفة السنية من كثرة ما التبس على جماهيرها مما يحدث لرئيس الحكومة ظنوا به الظنونا، واندفعت الجماهير الهائمة على وجهها وراء شعار الثورة التي انطبع في أذهانهم أنها الطريق للتخلص من متاعبهم، واندفعت الحشود في الساحات والشوارع قاطعة الطرقات مدمرة المؤسسات، في مناطق المكوّن السنّي فقط، رافعين شعار (كلن… كلن) فكان (كلن) يعني الحريري وحده وبإحراجه وخروجه ضاعت البوصلة عند جماهير السنّة ونتيجة لما حصل في مناطقهم، خيّم الجوع والفقر وتم تشريد الطلاب الذين لا زال حالهم تشريداً للعام الحالي، لمدة أربع سنوات، بينما غيرهم يتعلّم ويترقّى ومؤسساتهم لم تمسّ بل ازدهرت.
والآن يتم الإنتقال إلى الخطة القاضية على وجودهم عبر استهداف مؤسساتهم المتهالكة، التي بالانتهاء منها تكون نهاية الوجود السنّي كما يريد من هم في غرف التحكم.
(وإلى مقال آخر: هل سينحسر الوجود السنّي في لبنان؟)
* المؤسسة العالية للبحث العلمي