د. علي لاغا*
إن مشكلة المسلمين ليست وليدة الساعة، بل هي متعلقة بخلفية فكرية وثقافية واجتماعية سابقة.
أولاً: إبناء الامبراطورية المترامية الأطراف:
إن مصيرهم كمجتمع مثل أبناء الأثرياء الذين يترفون ويسرفون ولا ينتجون (إلّا من يفقهون وهذا نادر) بينما أبناء الفقراء قليلاً ما يشبعون وهم في النهار والليل يجدون ويجمعون ويبتكرون الحلول للتغلّب على ما يعوقهم (إلّا الذين لا يفقهون فيشكّلون البؤر والجنوح).
وهكذا تتغيّر المواقع: غني الأمس فقير اليوم وفقير الأمس والأمس قبله غني اليوم.. ولن تتغيّر سنن التداول في المجتمع.
ثانياً: الشروحات والوعظ:
إن المفاهيم التي يلقّنها المسلم هي فسيفساء اختلطت بالفكر الأصيل نتيجة لاتساع الفتوحات، وبالتالي جمدت الحياة الفكرية وأصبح نصاً ما كان حواراً، وبدلاً من الاستدراك ومحاكمة ما تم فعله من قبل والافتراض والتخطيط للغد وما بعد بعد بعد الغد، هيمنت الرتابة والحديث عما مضى في غابر الأزمان، ليت تلك المعلومات المتداولة تم جرحها وتعديلها. بل كانت تقبل على ما تم تداوله ولو كان أسطورة، بينما الرسول الأكرم أوضح وجوب ربط العمل في الأرض بالعبادة وأنه يجب أن لا ينقطع ولو قامت القيامة وبيد أحدهم فسيلة ويستطيع غرسها فليغرسها، نعم إلى هذا الحد، فالمسلم مهمته إعمار الأرض وتشييد الحضارات وإرساء العدل والإحسان وتأمين الحياة الكريمة للناس كل الناس.
ثالثاً: عدم ربط الأداء بالحال في لبنان:
إن المرسوم الاشتراعي 18 تاريخ 1955 المعدّل، الناظم لما يجب أن يكون عليه حال المسلمين السنّة، كما هو الحال لبقية الطوائف الدينية والمذهبية في لبنان، ينص على ما يلي:
الفقرة ب من المادة 3 المعدّلة: يشرف مفتي الجمهورية على أحوال المسلمين ومصالحهم الدينية والاجتماعية.
– (المسلمون السنّيون مستقلون استقلالاً تاماً في شؤونهم الدينية وأوقافهم الخيرية، يتولّون تشريع أنظمتهم وإدارتها بأنفسهم طبقاً لأحكام الشريعة الغرّاء والقوانين والأنظمة المستمدة منها بواسطة ممثلين منهم من ذوي الكفاءة وأهل الرأي..).
والفقرة (د) من المادة 3 المعدّلة:
من حق سماحة مفتي الجمهورية (يستعين عند الإقتضاء بمجلس استشاري يختاره من رجال العلم والعمل المشهورين بالنزاهة والخبرة والاستقامة البعيدين عن الأهداف الذاتية والحزبية ويراعي في اختيارهم تمثيل كافة المناطق..).
إنه من هنا تبرز أهمية المجلس الشرعي الأعلى /برلمان/ إلى جانب صاحب السماحة مفتي الجمهورية، لتنظيم الحياة الدينية والاجتماعية التي منها التنمية كي تنتفي الحاجة، وسلامة الحياة فيما بينهم وبين شركائهم في الوطن، مع الأخذ بعين الاعتبار أنه لا توازن بين فقير وغني وبين ضعيف وفقير ولا بين جماعة تجتاحها الفوضى واللا انتماء، إنما التوازن يحدث بين الأكفاء المتساوين.
المرجو من المجلس الشرعي القادم:
في بيان نشره عضو المجلس الحكمي (مثل كل رؤساء الحكومات سابقين وحاليين) دولة الرئيس فؤاد السنيورة وبعض ما جاء فيه:
أولاً: عدم التدخّل في العملية الانتخابية من الجهات النافذة ومنه أولاً.
ثانياً: على الناخبين اختيار من تتطابق مواصفاته مع المصلحة وفق ما ورد في مواصفات العضو، العلم والخبرة والشهرة والإرادة والعزيمة.
ثالثاً: إرساء وتطبيق نظام الحوكمة الإدارية والمالية على مختلف المؤسسات التابعة لدار الفتوى.
رابعاً: إجراء الإصلاحات في المعاهد الدينية والتعليم الديني الذي يحتاج لاصطفاء نخبة مميزة من العلماء للحاضر والمستقبل ممن يعززون وحدة المسلمين وتعزيز التلاقي والتعاون مع شركائهم في الوطن.
هذا ما يتطلبه حال المسلمين السنّة في لبنان كي يقفوا بالتساوي مع شركائهم في بناء بلد تهفو إليه قلوب محبي الجمال والإنسانية.
إن الخطورة ستكون إذا لم يقم الناخبون بواجبهم تجاه حسن الاختيار لمن يمثلهم في المجلس عندها ستبقى الطائفة حاضرة غائبة وأمورها بدون إصلاح و معالجة، وستبقى جماهيرهم في تشتت وحيرة ومطارحهم تشيح عنها أنظار المحظوظين بمن يرعى شؤون حياتهم الدينية والاجتماعية.
* المؤسسة العالية للبحث العلمي