منذ أكثر من عام تقريباً كتبت مقالاً في احدى الصحف اللبنانية؛ بعنوان (المسلمون السنة في لبنان جرح نازف ومستقبل منشود)، ومن المؤسف والمؤلم ان جرح المسلمين السنة كان وما زال نازفاً؛ ومستقبلهم المنشود في حالة تفتت وارباك واحباط وشبه ضياع، وخاصة على اثر تعليق الرئيس سعد الحريري ومعه تيار «المستقبل» لعملهما السياسي الوطني؛ ونتيجة ما اسفرت عنها نتائج الانتخابات النيابية الاخيرة في العاصمه بيروت؛ وفي بعض المناطق اللبنانيه؛ وتؤكد الوقائع عملياً ان الجرح النازف للمسلمين؛ توسع وتمدد حتى اضحى استهدافاً لهم ديمغرافياً على الارض والوجود؛ وسياسياً في المجلس النيابي وكتله ولجانه التشريعية؛ وفي الحكومة ووزرائها ووزاراتها السيادية منها والثانوية؛ ووظائفياً في الوزارات والمصالح المستقلة وحتى في هيكلية البنك المركزي ودوائره واقسامه؛ وبعدها تهميشاً لدورهم ورسالتهم الايمانية والعربية التي حملوها؛ ويحملونها كمسلمين سنة وطنياً وعربياً منذ امد بعيد؛ والجرح يستمر في عمقه دماً ودموعاً ونزفاً وتغييراً للبنان الصيغه والميثاق الذي نعرفه؛ حتى كاد لبنان في هذه الايام الصعبة؛ وفي عهد رئيسه القوي والرئيس الظل فيه؛ لا يشبه بيئته اللبنانية اطلاقاً؛ ولا ينسجم مع حاضنته العربية نهائياً وربما معادياً لها.
أفرزت الانتخابات النيابية الاخيرة المزيد من التحالف بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»؛ وتناغماً متقطعاً موسمياً ومرحلياً مع حركة «أمل» كأحد طرفي الثنائي الشيعي «حزب الله» وحركة «أمل»؛ وبات المشهد السياسي على الساحة اللبنانية؛ واضح المعالم والخيارات؛ رغم الاكثرية النيابية المتحركة؛ وشبه التعادل الثابت؛ بين النواب السياديين والتغيريين والمستقلين من جهة؛ ونواب تحالف «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وحلفائهما من جهة اخرى؛
والتوافقات والصفقات؛ بين الثنائي الشيعي و»التيار الوطني الحر» على انتخاب رئاسة المجلس النيابي ونائبه ولجانه التشريعية؛ وتردد وضياع النواب التغييريين ومعهم بعض النواب المستقلين؛ تؤكد وتشير الى ان من سيتولى رئاسة مجلس الوزراء سيكون اسير خيارات ومصالح تحالف «حزب الله» و»التيار الوطني الحر» وحلفائهما؛ ومخالفة الدستور ومضمون وثيقة الطائف عمداً بتأخير الرئيس ميشال عون وجبران باسيل الاستشارات النيابية الملزمة لاختيار الرئيس المكلف بتشكيل الحكومة؛ رسالة واضحة بان ارادة المسلمين السنة ونوابهم خارج المعادلة السياسية في لبنان؛ وهم (شاهد ما شافش حاجة) وان من سيختار رئيس الحكومة المقبلة وحتى وزراءها وبرنامجها وبيانها السياسي؛ هما الثنائي «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»(السيد حسن نصرالله والرئيس الظل جبران باسيل)؛ بعيداً عن الاستشارات النيابية الملزمة بنتائجها لرئيس الجمهورية؛ كما هو مضمون وثيقة الطائف؛ ويؤكد ذلك مواصفات وشروط الرئيس الظل جبران باسيل المسربة لكل من تسول له نفسه الاقدام على تشكيل الحكومة القادمة؛ ومنها الاستحواذ على وزارات معينة؛ واستمرار احتلال جبران باسيل لوزارة الطاقة التي اوصلت العتمة والظلام الى كل بلدة ومدينة في لبنان؛
وما زالت مستمرة في نكران الواقع؛ والانفصال عن الذات؛ ومتجاهلة لضياع 46 مليار دولار اميركي اكراماً لخاطر عيون الصهر الطفل المعجزة؛ وبعد هذا وذاك يتساءل المسلمون السنة في مجالسهم الخاصة؛ الى متى سيبقى هذا الاستهداف المنظم والمبرمج لهويتهم الوطنية والاسلامية؛ والى متى ستبقى مناطقهم حصراً، وفي طرابلس وعكار والشمال تحديداً، حقل تجارب لتطبيق القوانين والانظمة المرعية الإجراء؛ وتهمة الارهاب والدعوشة؛ جاهزة ليلاً ونهاراً، وسيفاً مصلتاً على الرقاب؛ وسجن رومية مهيأ لإستضافتهم الطويلة وبلا محاكمات سنوات وسنوات ؛ في الوقت الذي يسرح ويمرح الآخرون من بني وطنهم بإستعلاء؛ بكل انواع الممنوعات والمخالفات والتجاوزات على الاملاك العامة والخاصة ؛ وحتى حمل وتجارة الاسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة بحجج واهية، وادعاءات محلية واقليمية فارغة. المسلمون السنة في لبنان حسموا خيارهم باتجاه السعي لبناء الدولة اللبنانية الوطنية العادلة؛ وسقط لديهم ومنهم قيادات سياسية ودينية كبيرة، ليبقى لبنان سيداً حراً عربياً مستقلاً ومؤكدين بان ليس لديهم مشروع خارج اطار الدولة ومؤسساتها؛ في حين ان العديد من القوى السياسية الاخرى لديها مربعاتها الامنية ودويلتها وسلاحها وقوانينها الخاصة وتحالفاتها الخارجية؛ وحتى سجونها ومستودعات سلاحها وصواريخها؛ وتمارس ازدواجيتها بمقولة (ما لنا؛ لنا وحدنا؛ وما لكم ؛ لنا ولكم) وما خفي اعظم؛ ومن اجل ذلك؛ ترى المصادر المطلعة والمتابعين والمراقبين؛ وأهل الرأي؛ بأن المسلمين السنة في لبنان ليسوا بخير؛ ومعهم لبنان كله كذلك ليس بخير.