IMLebanon

الهاجس السني… تعهّدات قاسم بين “الضمانة” و”التقيّة”؟

 

كوارث التجارب السابقة

 

لم ينجح خطاب الأمين العام لـ “حزب الله”، الشيخ نعيم قاسم، في تبديد الهواجس الجدية لدى مختلف النخب السياسية والدينية والمجتمعية، وخصوصاً السنية منها، إزاء مستقبل “الحزب” في عملية إعادة تكوين السلطة، والذي يكتنفه الغموض في المفاوضات الدائرة لإبرام تسوية توقف قرقعة السلاح ونزيف الأرواح.

 

 

فالإيجابية التي طبعت ردود أفعال بعض النخب حيال التعهدات التي قدمها قاسم حول النهج السياسي لحزبه بعد صمْت المدافع، وخصوصاً إعلان التزامه العمل السياسي “تحت سقف الطائف”، يمكن اعتبارها مبالغاً فيها، ولا سيما أنه قَرَنَ كل ذلك بـ”تجديد البيعة” لثلاثية “جيش، شعب، مقاومة”. تلك المعادلة المشؤومة ما كانت إلا بدعة أُكسيت رداءً دستورياً مهلهلاً، وتحولت إلى معول هدمت به “الدويلة” أسس ومفاهيم الدولة وسلبتها قرارها.

 

 

 

والحال أن الكثير من القوى والنخب السنية تعتبر أن التعهدات التي قدمها قاسم “تقيّة” تروم تجاوز المحنة الوجودية. ومع أن الإمام الخميني أفتى بتحريم استخدام “التقيّة”، إلا أنها ما برحت أحد أسلحة ملالي إيران في ترسانتهم “الجيو – نووية”، كما يظهر في المعايدة الاستثنائية التي قدمها، محمد جواد ظريف، نائب الرئيس الإيراني، وناظر السياسة الخارجية لبلاده بشكل غير رسمي، إلى اليهود بمناسبة السنة العبرية الجديدة. والأمر نفسه ينسحب على “حزب الله”، والذي سبق أن استخدم سلاح “التقيّة” حينما كان محشوراً في “زاوية ما”. ترى ما هي ردة فعل “الكتيبة الإعلامية الممانعة” فيما لو صدرت “شالوم” ظريف عن سياسي لبناني أو عربي؟

 

 

 

هذا القلق السني لا ينبع من فراغ، بل هو نتاج الفشل الذريع الذي منيت به كل التجارب السابقة لسياسات احتواء “حزب الله”. عام 2006، تعهد أمينه العام الراحل، حسن نصر الله، بكل ما يملك من رمزية سياسية ودينية وشعبية، أمام طاولة الحوار الوطني، بعدم القيام بمغامرات كارثية فيما البلاد مقبلة على صيف واعد. كما تعهد بعدم استخدام السلاح في الداخل لتغيير المعادلات السياسية، فماذا كانت النتيجة؟

 

 

افتعل حرب “تموز 2006″، وخرج على اللبنانيين في اليوم التالي لها بخطاب ذي نزعة انتقائية عنوانه “يا أشرف الناس”، وأطلق العنان للاعتصام الشهير في “وسط بيروت، والذي جعله قاعاً صفْصفاً، وتوّجه بغزوة “7 أيار 2008”. في “اتفاق الإذعان” بالدوحة، حصل “الحزب” على حق النقض في النظام السياسي، مقابل تعهده بعدم استقالة وزرائه من الحكومة. لكنه نكث بتعهداته، ونفذ انقلاباً سياسياً عام 2011، ليس على حكومة الرئيس سعد الحريري فحسب، إنما على الديمقراطية برمتها، فصارت مذّاك مُعْتَوِرة.

 

ولم تنفع محاولات “الضامن القطري” في تذكيره بتعهداته، بالتنسيق مع تركيا، إلا بانتزاع حكومة تخفف من فجاجة هذا الانقلاب. فكان ما كان. ناهيكم بالدور السلبي الذي لعبه في المخيمات الفلسطينية، والذي يندرج في خانة “خلعها” من الشرعية الفلسطينية، كما ظهر في معارك “عين الحلوة”. من دون إغفال سرايا “المقاولة”، التي قاومت بحق، إنما في الأحياء السنية، ضد أهلها وناسها.

 

 

وعليه، فإن السؤال المطروح في الأوساط السنية عن ماهية الضمانة على التزام “الحزب” بتعهدات أمينه العام، في ظل الشعور بأن الولايات المتحدة والمجتمع الدولي يريدان حلاً مستداماً لـ”الجبهة الشمالية لإسرائيل”، أما الداخل فمتروك لقدره. وهذا ما نجم عنه تعاظم القلق السني من الدور المستقبلي للسلاح إثر تقاعده “الجهادي”، ولا سيما أن قاسم نفسه ينتمي فكرياً إلى حزب “الدعوة” العراقي، والذي تعد “التقيّة” إحدى أبرز أدواته السياسية، وخرج منه رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي، المعروف بتطرفه وإمعانه في اضطهاد سنة العراق تحت عنوان “اجتثاث البعث”.