كانت نهاية اسبوع مريحة من جهة وخانقة وبغيضة من جهة ثانية، كنت قد إنتهيت من قراءة تقرير ممتاز عن انتخاب عمدة لندن التي فاز فيها صديق خان من حزب العمال وهو ابن مهاجر باكستاني مسلم، نافس اليهودي جاك غولدسميث من حزب المحافظين.
فوز إبن سائق الحافلة المسلم محافظاً لأرقى عاصمة أوروبية يمثل انتصاراً للنظام الديموقراطي المدني العلماني الذي يجعل الكفاءة والنزاهة والمعرفة والرصانة تتقدم الجنس والمذهب والدين واللون، ولكن في لبنان كما في أمكنة كثيرة في المنطقة طرحت اسئلة هامشية خانقة وغليظة:
ترى صديق خان سني أم شيعي؟
هكذا بالحرف، في حين كنت قد قرأت ان السيدة اليهودية جميما غولدسميث شقيقة المرشح الذي خسر أمام خان المسلم، كانت قد أعربت عن غضبها واحتقارها لكل ما نشر من أكاذيب لإلصاق صورة خان بالمتطرفين الاسلاميين… شقيقة اليهودي منزعجة من طرح الأمر على النحو الطائفي، والبعض عندنا مرتاحون وسعداء بفوز خان لأنه مسلم وسني أو شيعي؟
ما زاد ضيقي أنني كنت أستمع الى تقارير المندوبين من مراكز الإنتخابات البلدية والإختيارية التي جرت في بيروت والبقاع والهرمل، فإذا بها تركز محورياً على العنصر الطائفي والمذهبي والقبلي والعشائري والعائلي [مسيحي – مسلم – سني – شيعي – عائلي – عشائري] ولا كلمة طبعاً عن البرامج والرؤى وخطط العمل ولبنان لم ينهض بعد من تحت أكوام الزبالة، مجرد صور وشعارات ستراكم الزبالة غداً.
موقع هيئة الاذاعة البريطانية “بي بي سي” لم يشر في تقرير من 600 كلمة عن فوز خان الى أنه مسلم، اكتفى بالقول إنه من حزب العمال وهو فخور عندما يقول إنه مدى ربع قرن في لندن لم يحصل ان سأله أحد عن ديانته أو مذهبه، جل ما في الأمر عندما يتعرف الى رجل او إمرأة ان يقال: ما مهنتك، ما جنسيتك؟
لعل ما يزيد الفجيعة انك عندما تقرأ مثلاً ما كتبه الاسرائيلي يوسي بيلين، ثم تقارنه بما كتب في بعض الصحف العربية في مجال المفاخرة بإسلامية صديق خان لا بعظمة النظام السياسي الذي جعله محافظاً للندن عاصمة الدنيا بما فيها من إنكليز واسكوتلنديين وويلزيين وايرلنديين، تعرف تماماً سبب مراوحة هذا الشرق البائس في مكانه.
بيلين يقول “انتصار خان حدث تاريخي، من يخشاه خاطىء، ان فوزه يشكل ضربة قاصمة لنظرية صموئيل هنتنغتون عن “صراع الحضارات”، وخان لن يفرض على بنات لندن وضع الحجاب”.
لو كان والد خان هاجر الى بيروت مثلاً أو الى أي بلد عربي آخر، هل كان صديق خان أكثر من مجرد سائق حافلة آخر؟